الاثنين، 8 أغسطس 2016

أغنية تجسد معاناة إنسان السودان
فى ظل نظام جائر مستبد فاسد وهم الكارثة الأكبر التى ألمت بالوطن وأهله فى ليلةٍ شؤم
السودان فى زمن حكم المعاتيه
سنوات الضياع الـ 27
من غيرنا يُعطى لهذا الشعب معنى أن يضيع وينتحر ( المؤتمر الوثنى )

الثلاثاء، 19 يوليو 2016

مدينة سوبا (شرق النيل الأزرق)
مدينة سوبا شرق (Soba Sharq) من أعرق المدن في شرق النيل ويرجع تاريخها الموغل في القدم الي مملكة علوة حيث انها العاصمة لتلك المملكة المسيحية التي هي آخر الممالك المسيحية في السودان الشمالي وتوجد بها العديد من الآثار الدالة علي تلك الحقبة.
ورد ذكر مملكة علوة وعاصمتاها سوبا في كثير من كتب المؤرخين امثال المقريزى والمسعودي حسب ماورد في كتاب تاريخ السودان لنعوم شقير.
يعتبر سقوط سوبا في عام 1504 ميلادية علي يد تحالف العرب بقيادة عبد الله جماع والفونج بقيادة عمارة دنقس نقطة فاصلة في تاريخ السودان الحديث، انسحب العنج بعد هزيمتهم إلي قري شمال الخرطوم وكان بها حصن والذي لفظت فيه دولة علوة المسيحية وعاصمتها سوبا آخر انفاسها وسقطت قري وقد قال فيها شاعر العبدلاب الشيخ عثمان محمد اونسة:
طابـت يميـنك يوم قري نزالا    ***    والحـــرب تحــكي لجة النيران
حفـت بك الأبناء آساد الشري   ***    بيض العمائم صاحبي التيجان
الخراب الذي تم في سوبا علي يد قوات عبد الله جماع وعمارة دنقس كان كبيرا لدرجة انه أصبح مضرب للأمثال كان يقال مثل خراب سوبا أو (عجوبة الخربت سوبا).
تقع مدينة سوبا شرق علي الضفة الشرقية للنيل الازرق ويمر بها طريق الخرطوم ود مدني الجديد شرق النيل والذي يمر بعد سوبا شرق بالقرب من العيلفون وبالقرب من أم ضوابان ثم العسيلات وبعض قري شرق النيل ثم الهلالية والجنيد ثم إلي كبري الحصاحيصا الجديد ومنها إلي ود مدني، وتبعد مدينة سوبا شرق مسافة 22 كيلومتر من الخرطوم و14 كيلومتر من كبري المنشية، وتحيط بسوبا شرق بعض القري مثل السمرة والمرابيع الشريف وام عشوش وإن البعض يذكر أنها من أحياء المدينة، وبها اربعة احياء كبيره هي السلمة والقنيعاب والتويراب والشقيلة وام عشوش والسمرة والمرابيع هي ايضا تعتبر من احياء سوبا شرق.
معظم سكان سوبا الأصليين من المغاربه الذين سكنوا شرق النيل من حلفاية الملوك بالخرطوم بحري إمتدادا إلي الهلالية بالجزيرة.
سوبا شرق بها قسم شرطة ومدرستين ثانويتين للبنين والبنات وعدد من المدارس الخاصة ومدارس الأساس وبها سوق كبير بالمنطقة يعد من أهم المعالم الجديده ويسمي سوق الطرمبه نسبة لمحطة الوقود التي كانت أول تأسيسها في هذا السوق ويكسب هذا السوق أهميته لأنه يقع علي الطريق المذكور أعلاه.
الموقع: تقع مدينة سوبا شرق على الضفة الشرقية للنيل الأزرق في اتجاه مصبه على مساحة تقدر بـ10 كلم مربع، وموضعها عند خط عرض 25، 14 شمالاً وخط طول 25، 32 شرقاً على ارتفاع 1245 قدماً فوق سطح البحر، تحدها شمالاً مدينة أمدوم على شاطئ النيل الازرق التي تبعد عن سوبا (عاصمة الدولة السودانية سابقاً) بنحو 6 كلم، وجنوباً تحدها مدينة العيلفون على شاطئ النيل الأزرق وقرية الحديبة وشرقاً قرية السمرة والتي يرجع جذورها إلى قبيلة المغاربة وفي الجنوب الشرقي مدينة أم ضواً بان والٌكرنوس وغرباً للنيل الأزرق في محاذاة النيل مدينة سوبا غرب. وتبعد سوبا شرق عن وسط الخرطوم بنحو 18كلم ويستغرق المشوار على طريق الأسفلت أقل من 20 دقيقة تقريباً.
السكان والنسيج القبلي في سوبا شرق يقدر عدد سكان سوبا شرق بحوالي 19 ألف نسمة ويتشكل النسيج القبلي فيها من قبائل المغاربة (أحفاد أحمد زروق المغربي) الذي هاجر من المغرب الى السودان لنشر الدين الإسلامي، واشتهر أولاد طراف بسوبا شرق والجريف، وهم ينتسبون إلى الشيخ سرحان بن الشيخ صباحي بن طراف المسلمي، صاحب القبة بسوبا شرق وجنوب الخرطوم ولأبنائه قبب بجواره. ومنهم جماعة بود الفضل جوار تمبول.
يتميز أهلها بالطيبة والكرم وحسن الضيافة والآن تداخلت عليها قبائل مثل الجعليين وقليل جداً من الشايقية والمحس والكواهلة والعسيلات وغيرها من القبائل العربية التي تصاهرت عبر مئات السنين، وبظروف ديموغرافية يندر أن تجد مثلها في جميع المناطق والمدن السودانية الأخرى فأنتجت واقعاً اجتماعياً وقبلياً جديداً يمكن أن نطلق عليه (قبيلة االمغاربة سوبا شرق)، ويعمل غالب السكان في الزراعة والتجارة وترتبط أنشطتهم الاقتصادية ارتباطاً وثيقاً بعاصمة البلاد (الخرطوم) حيث يقدر عدد موظفيها العاملين في دواوين الدولة المختلفة والعمل الخاص داخل العاصمة الحديثة الخرطوم.
تاريخ سوبا تقع المدينة الأثرية بسوبا شرق.. في الضفة الشرقية للنيل على بعد مسافة 15 كيلو متراً جنوبي الخرطوم، حيث كانت عاصمة لمملكة علوة المسيحية 504 – 540، وتوجد بها مجموعة من الكنائس التي بنيت على طراز (البازيلكا)، ومنازل سكنية مسقوفة بأشجار الدوم، وبها مقابر تشبه مقابر العهد المسيحي المكتشفة في جميع أنحاء السودان.
ورد ذكرها لأول مرة فيما كتبه يوحنا الافسوسي، كما أشار اليها عدد من الكتاب العرب، وهي تشكل أهم ملامح العهد المسيحي في السودان، حيث اعتنق النوبيون المسيحية في القرن السادس الميلادي وبدأ عصر تقدم سياسي وحضاري في السودان، وكان أثر امتزاج الحضارة المحلية والعناصر الثقافية الجديدة التي جاءت من مناطق البحر المتوسط، وقامت حركة فكرية وفنية، وكان عصر ازدهار فني وقوة سياسية وتاريخ مهم، وتجدر الاشارة الي أن مملكة مروي قامت على أنقاضها ثلاث ممالك نوبية، ففي الشمال كانت مملكة النوباط ما بين الشلال الأول والشلال الثالث وعاصمتها فرس بالقرب من حلفا، وتليها جنوباً مملكة المقرة وتنتهي حدودها الجنوبية عند مكان عرف عند الكتاب العرب الأبواب يظن أنه بالقرب من كبوشية وكانت عاصمتها دنقلا العجوز، ثم تأتي مملكة علوة عاصمتها سوبا بالقرب من الخرطوم، واتحدت مملكتا النوباط والمقرة في حوالي عام 700م، وقد امتدت حتى اقليم الجزيرة حالياً وان كانت حدود هذه الممالك الثلاث غير محددة.
وعرفت الديانة المسيحية في بلاد النوبة قبل أن تعتنقها بزمن طويل، وعندما جاءت البعثات التبشيرية إلى هذه البلاد حوالي عام 453م، وأحرزت نجاحاً سريعاً حتى صارت المسيحية الدين الرسمي للسودان الشمالي في عام 580م. من المشاهد المادية للحضارة النوبية المسيحية الكنائس والمساكن والمدافن والرسوم الحائطية التي تزين جدران الكنائس، التي عبرها الرحالة روبيني ديفيد في العام 1523م، وصفها بأنها كانت مبانٍ عظيمة وتمتع بمعالم تاريخية مميزة، ووجد أن الخراب قد أصابها من قبل، ووجد الناس يسكنون في أكواخ من الخشب كما أكدت ذلك الحفريات التي أجريت في سوبا 1950 – 1952م على أنها مدينة ذات مبانٍ عظيمة من الطوب وتتمتع بحضارة عريقة، وقد مكنت المقتنيات الموجودة معرفة مباني وحضارة القرن التاسع الميلادي والخامس عشر، ولكن المدونات خلاف الكتابات البسيطة الموجودة على قطع الفخار، لم تكن بالقدر الكافي، وذكرت باسم الوديا في الكتابات المسيحية في العصور الوسطى، وذكرت باسم علوة في الكتابات العربية مثل كتابات ابن سليم الاسواني الذي ذكرها باسم سوبا، وذكرها في العصور الوسطى اليعقوبي في أواخر القرن التاسع الميلادي وكذلك المغريزي، وأهم ما وصل من الاخبار في الكتب ما كتبه ابن سليم الاسواني عن مدينة سوبا وهو من كتاب القرن العاشر الميلادي، وقد وصف ابن سليم سوبا عاصمة علوة بأنها كانت فيها حسان ودور واسعة وكنائسها كثيرة الذهب وبساتين مخضرة يزرع بها الكروم والعنب، وفيها الخيل البيضاء، وهذا الوصف أساساً استندت عليه جميع الأخبار التي جاءت فيما بعد وهي تصف سوبا أيام ازدهارها، كما لا توجد بها أي أخبار عن سقوطها الذي يقترن مع مجئ الفونج في القرن السادس عشر وسقطت نتيجة تحالف عمارة دنقس ملك الفونج وعبدالله جماع عام 1504م.
بدايات التنقيب: مدينة سوبا شرق اعتبرها البعض من المناطق الأكثر ثراء من حيث الارث الأثري، بدأ التنقيب فيها بواسطة مدير الآثار آنذاك بيتر شيني، في الخمسينيات وأصدر نتائج التقنيات في كتاب صدر باللغة الانجليزية في العام 1955م الطبعة الأولى، وكانت الثانية في 1961م والذي تم طبعه بواسطة مصلحة الآثار السودانية وقتها، ويحتوي الكتاب على ملحق به خارطة توضح موقع المدينة الآثارية، وذلك بغرض منع التغولات عليها والتعريف بحدود المدينة الآثارية، والمعني بالأمر في المقام الأول مصلحة الآثار والخارطة الملحقة بالكتاب أصدرتها مصلحة المساحة السودانية في العام 1955م موضحة بها حدود الموقع الأثري. ويقول باحث في مجال الآثار أن أي مبنى دخل في المدينة فيما بعد داخل الحدود المحددة يعتبر غير قانوني ويجب ازالته ويدخل في حدود ملكية الآثار ويحمى بقانون الآثار الذي ذكر موقع سوبا شرق والذي يعني في نهاية الأمر الحدود المحددة، لا تملك أية جهة مهما كانت منح أي أرض داخل هذه المساحة، علماً بأن هذا الموقع مسجل لدى اليونسكو وهو يعتبر تراثاً انسانياً يجب المحافظة عليه.
مدينة الفاشر:
الفاشِرْ مدينة تقع في غرب السودان على ارتفاع 700 متر (2400 قدم) فوق سطح البحر على مسافة 802 كيلومتر (498 ميل) غرب العاصمة الخرطوم، و195 كيلومتر (130 ميل) عن مدينة نيالا بإتجاه الشمال الشرقي، وقد كانت محطة انطلاق للقوافل في العصور القديمة تحولت بمرور الزمن إلى سوق للمحاصيل الزراعية ويعتمد اقتصادها على المنتجات الزراعية المتوفرة في المنطقة بشكل أساسي. وهي عاصمة ولاية شمال دارفور. كما إنها من المناطق التي زارتها الرحالة الأمريكية الجوية أميليا إيرهارت في محاولتها لعبور العالم.
اختلفت الروايات وتعددت حول معنى الفاشر (بكسر الشين)، إلا أن الرواية الأكثر شيوعا وأقوى حجة هي التي تذهب إلى أن اللفظ يعني مجلس السلطان، كما ورد في الأعمال الأدبية والغنائية بالسودان مثل الأغنية التراثية التي تقول في “..الفاشر الكبير طلعوا الصايح” أي مجلس السلطان الكبير، ويُقال لها فاشر السلطان، بمعنى مجلس السلطان، والفاشر زكريا، أي مجلس السلطان زكريا. وفي السياق نفسه يعرف الفاشر بأنه مكان إقامة السلطان أو قلعته. فهناك عدة فواشر منتشرة في دار فور مثل “فاشر قرلي” التي بناها السلطان تيراب في منطقة جبل مرة، كما شيّدت فواشر في المناطق المجاورة لها في الغرب الأوسط لأفريقيا.
وهناك رواية تقول أن الفاشر هو اسم الوادي الذي تقوم على ضفتيه المدينة بمعنى الفاخر. وثمة رواية ثالثة تنسب الاسم إلى ثور يسمى الفاشر كان يرد الوادي لشرب الماء دون أن يقوده صاحبه وغاب ذات مرة ولم يأت للوادي كعادته فذهب الناس يبحثون عنه فوجدوه باركاً في موقع المدينة الحالي وسمى المكان باسمه بينما يذهب تأويل للرواية نفسها مذهباً آخر مؤداه أن الثور الفاشر كان يحمي المنطقة التي قامت فيها نواة المدينة ويمنع أي شخص من أن يغدو إليها. وتلقب الفاشر بالفاشرابو زكريا نسبة إلى الأمير زكريا والد السلطان علي دينار الذي كان له فضلاً كبيراً في تطويرها.
التاريخ
سلطنة الفور حكم سلاطين الفور الفاشر لفترة امتدت ما يقارب الخمسة قرون من سنة 1445 وحتى 1916 م وكان أولهم السلطان سليمان سولونق، وآخرهم هو السلطان علي دينار. وكانوا يديرون السلطنة في بداية عهد حكمهم من جبل مرة، إلا أن السلطان عبد الرحمن الرشيد الذي خلف السلطان تيراب في الحكم وجد أن من الصعوبة بمكان إدارة السلطنة التي ترامت أطرافها من منطقة جبل مرة فقرر نقلها إلى منطقة تتوسط السلطنة ووقع الاختيار على منطقة وادي رهد تندلتي الواقعة في السهول الشرقية من دارفور لإقامة فاشره (قلعته) فيها خاصة وأن المنطقة تسهل فيها فلاحة الأرض وتربية الحيوان. وبدأ السلطان الرشيد في تشييد أول قصر له على الضفة الشمالية من الوادي ومن ثم تم بناء منازل الحاشية والحرس وسرعان ما توافد الناس إلى فاشر السلطان حتى تحول إلى مدينة مأهولة، وهكذا نشأت الفاشر كعاصمة إدارية وهو الدور الذي لم يفارقها حتى الآن.
وكانت الفاشر نقطة انطلاق للقوافل التجارية التي تمر عبر درب الأربعين (الطريق الذي يستغرق اربعين يوماً) والذي كان يربط السودان بمصر لنقل العاج وريش النعام واخشاب الأبنوس من غابات وسط أفريقيا إلى الأسواق المصرية وتعود محملة بالحرير والأقمشة والورق والآنية.
الحكم التركي المصري وفي سنة 1821 م غزا محمد علي باشا السودان ودحر جيوش السلطنة الزرقاء وأحتل عاصمتها سنار ثم اتجهت جيوشه غرباً وتوقفت في مملكة المسبعات على حدود سلطنة دار فور. وكان من الصعب على سلاطين الفور التعايش مع الحكام الجدد لممالك السودان والذين كانوا يسيطرون على طريق القوافل المتجهة نحو مصر عبر الفاشر، فدخلت جيوشهم بقيادة السلطان إبراهيم قرض في قتال من جهة الجنوب مع قوات الزبير باشا رحمة الموالي للأتراك والذي تمكن من دحرهم في معركة منواشي، بينما دخل الجيش التركي مدينة الفاشر من جهة الشرق زاحفاً من الخرطوم عبر كردفان وبذلك خضعت مملكة الفور وعاصمتها الفاشر لحكم الإتراك.
الثورة المهدية والحكم الثنائي في سنة 1884م، احتلت قوات المهدي مدينة الفاشر بعد حصار دام اسبوعاً واحداً، وبهزيمة خليفة المهدي عبد الله التعايشي في معركة أم دبيكرات في 24 نوفمبر / تشرين الأول 1890م، على يد القوات البريطانية المصرية استعاد السلطان على دينار مدينة الفاشر في 1909م، وبقي فيها حتى عام 1916م عندما وضعت قوات الحكم الثنائي نهاية لذلك.
الموقع تقع الفاشر في المنطقة الشمالية من دارفور وهي منطقة تتسم بالتباين في الظواهر الطبوغرافية من أرض صحراوية إلى شبه صحراوية تتخلها تلال منخفضة وكثبان تعرف باسم القيزان (المفرد قوز) وتلال لذات صخور رملية وأودية وخيران تمتلأ بمياه الأمطار خلال الموسم المطير. وهناك بحيرة الفاشر ووادي قولو الذي يقع على بعد 16 كيلو متر من وسط المدينة ويشكل أهم مصدر لتزويدها بالمياه.
شهدت الفاشر تطوراً عمرانياً كبيراً في عهد السلطان علي دينار الذي إهتم بالعمارة فيها فبنى قصره ومجمع سكنه الذي كان يضم غرف السكنى والمجالس والردهات والمسجد الجامع فشكل معلماً معمارياً بارزاً في المنطقة خلال تلك الحقبة. وهو الآن متحفاً يتبع للهيئة القومية للآثار والمتاحف.
تشمل المعالم البارزة للمدينة حالياً: • قصر السلطان علي دينار ومجمع السلطان علي دينار الذي يضم مسجدا ومكتبة إلكترونية ومركزاً لتحفيظ القران الكريم وكافتيريا ملحقة به. • السوق الكبير ويزخر بالمحلات التجارية من دكاكين ومقاصف وهو أيضاً مركز المواصلات المؤدية الي جميع احياء المدينة. • آبار حجر قدو التي وتشتهر بالمقولة الشعبية المأثورة بالمدينة ومفادها بأن من شرب من مياه آبار قدو لا بد وأن يعود إليها ثانية ليشرب منها مرة آخرى. • سوق المواشي وفيه تباع اللحوم طازجة أو مشوية. • سوق أم دفسو وفيه تباع الفواكه المنتجة في منطقة جبل مرة ومنتوجات دار فور الغذائية التقليدية مثل الكول والمريس وعسل الجبل والسمن الطبيعي. • برج الفاشر.
الإدارة الفاشر محافظة من محافظات ولاية شمال دارفور وتضم عشر محليات هي: • الفاشر شمال • الفاشر جنوب • ريفي الفاشر • دار السلام • مليط • طويلة • كلمة • المالحة • الكومة
التمثيل القنصلي الأجنبي توجد في الفاشر قنصلية عامة ليبية.
النشاط الاقتصادي يمتهن سكان المدينة الزراعة والرعي والخدمات وتشمل الزراعة المحاصيل النقدية والاستهلاكية مثل القطن والذرة والسمسم والتمور والموز والمانجو والأرز، بينما تتركز تربية الحيوان على رعي الماعز والأغنام والأبقار، وفي الآونة الأخيرة تطور قطاع الخدمات بفضل النمو السكاني والأعداد الكبيرة من المنظمات التطوعية الأجنبية والمحلية وما يرافقها من خدمات إدارية ولوجستية ومصرفية.
النقل والمواصلات ترتبط المدينة بشبكة من الطرق بالبلدات والقرى المحيطة بها وبأهم المدن السودانية عبر عدد من الطرق ومعظمها موسمي إلى جانب طريقين سريعيين هما: طريق الجنينة وطريق أم كدادة.
إلى جانب العديد من المدارس الحكومية والأهلية على مختلف مراحلها توجد في الفاشر جامعة هي جامعة الفاشر الواقعة غرب مطار المدينة وتأسست في عام 1990م، وتم افتتاحها رسمياً في عام 1991م.
أحياء الفاشر تضم الفاشر حوالي تسعين حياً سكنياً من مختلف الدرجات والمستويات من حيث دخول السكان والتخطيط الحضري والبيئة العامة. • حي العظمة • أولاد الريف • الكرانك • الزيادية • ديم سلك • حي الوكالة • الطريفية • حي زنقو • حي القبة • التيمانات • حي المصانع • حي المجمع • مكركا • المعهد (أ) • المعهد (ب) • الجبل • التضامن • الاسرة • الجوامعة
كما تضم الفاشر معسكرات للنازحين بسبب النزاعات المسلحة وهي: • معسكر أبوشوك • معسكر زمزم • معسكر السلام
السكان بلغ عدد سكان الفاشر في 2006 قرابة 264,734 شخص قياسا ب178,500 في 2001. ويرجع السبب في ذلك إلى النزاع المسلح الذي شهده الإقليم.
الفاشر القديمة .. ودورها في تاريخ دارفور
أسست كعاصمة دائمة للسلطنة في أواخر القرن الثامن عشر بإنشائها حدث تغيير جوهري في سياسات وراثة العرش كانت في بداياتها تمثل نسخة مكبرة لمنزل الفور التقليدي حتى عام 1977م كان قصر على دينار هو مقر الحكام الإقليميين كانت بها مدرسة يقوم بالتدريس فيها نخبة من الفقهاء بيت الجباية كان المصب لكل الضرائب المفروضة بالمملكة صارت موقعا للتحفظ على الزعماء المحليين ولمنافسي السلطان
إذا كان النظام السياسي والعشائري فى مملكة الفور قد تجسد في شخص السلطان داخل الدولة فان مدينة الفاشر كانت مقر السلطان وقلب هذه الدولة حيث يوجد مجمع القصر السلطاني ولكي ندرك أهمية الفاشر في سلطنة دارفور والتي تمددت الى العصر الحاضر فعلينا ان نعرف ان دور القصر قد بقى مؤثرا حتى عام 1977م اى بعد زوال السلطنة والسلاطين باكثر من نصف قرن وعقد من الزمان وقد كان قصر السلطان على دينار فى الفاشر هو المسكن الرسمى للحكام الاقليميين فى عهد الحكم الثنائى وعهد الحكم الوطنى وذلك كنوع من تأكيد الاستمرارية وقد عزز ذلك وضع عرش على دينار مباشرة خلف طاولة الحاكم.
وقد ظلت الفاشر طوال تاريخها على عهد السلطنة تمثل عاصمة فوراوية واسلامية جنبا الى جنب وقد كان هذان البعدان يتنافسان احيانا ويكملان بعضهما البعض فى بعض الاحيان ويمكن فهم حيوية و ازدواجية البعدين فى استعمال اللغة فقد ظلت لغة الفور هى لغة التخاطب فى البلاد حتى على عهد على دينار بينما كانت اللغة العربية هى لغة القضاء وبالرغم من ان ديانة الفور التقليدية قد حوصرت فى اعالى الجبال حيث تقع مراكز عبادتها او الت الى مجتمع النساء الا ان ثقافة الفور احتفظت بهويتها.
دور سياسى جاء تأسيس مدينة الفاشر بتغيير جوهرى كبير فى سياسات وراثة العرش فقد حول تمركز القوة السياسية بالفاشر وانتقلت صناعة القرار السياسى سريعا من الحكام الاقليميين والقادة العسكريين الى مجموعات ” الفقرا ” والتجار الرقيق الذين كانوا حول السلطان ومن ثم صارت وراثة الابن لابيه هى القاعدة الثابتة اذ ان السلطان كان بالتشاور مع هؤلاء الذين يحيطون به يختار احد ابنائه ليحكم بعده.
وكانت وراثة السلطان تأتى من ناحية الاب ومن منظور الكيرا ككل ومنظور زعماء الفور فان وراثة الاخ لعرش اخيه كانت مرغوبة وتقرها العادة ففى القرن الثالث عشر الملىء بالحروب وفى عالم امراء التخوم والنبلاء الحكام الاقليميين كانت فرصة الابناء الصغار عديمى التجربة قليلة وكانت هناك حاجة الى رجال ناضجين ليحافظوا على الدولة ويوسعوها وقد سعى السلاطين الاقوياء لاستخلاف ابنائهم بطريقة مسبقة ليكونوا ورثة للعرش ولكن هذا الاجراء نادرا ما كان ناجحا خاصة وانه كان هناك دائما عدد كبير من ابناء العائلة المالكة فقد كان لاحمد ابكر مائة ابن ولتيراب اكثر من 30 ولمحمد الفضل 46 ولعلى دينار 120 وكان ابناء العائلة المالكة مصدر ازعاج مستمر حيث كانوا يعملون معا دفاعا عن مصالحهم وقد انتقم الابوشيخ القوى محمد كرا منهم باعدام 60 من بينهم فى ميدان خارج مدينة الفاشر لايزال يعرف حتى الان باسم ” قوز الستين ” وبالاضافة الى ذلك فقد كان الابناء الذين يمنحون اقطاعيات كثيرا ماينتهون لان يصبحوا مجرد مزارعين.
الفاشر تاريخياً كلمة فاشر غير معروفة الاصل وكانت تحديدا تعنى المساحة المفتوحة امام المعسكر السلطانى وقد استخدمت هذه الكلمة فى ممالك كانم وباقرمى ووداى وسنار.
وكان لكل سلطان (فاشر) أو اكثر يعكس مكانته من الناحية العسكرية والسياسية وقد بنيت هذه المعسكرات السلطانية من الحجارة او الطوب او سيقان الذرة وذلك حسب المواد المتوفرة الى ان جاء الطور الاخير وهو تأسيس عاصمة دائمة ” الفاشر ” حول بحيرة تندلتى فى حوالى (1791- 1792) حيث تم اولا بناء قصرين وعند عودته من ام درمان بنى على دينار قصرا جديدا وقد تغير الهيكل الاساسى للفاشر خلال مراحل عديدة ولكنها احتفظت بالشكل التقليدى للقصر الافريقى الدائرى المكون من سلسلة من الحظائر المحاطة بجدار خارجى كبير وقد كانت الفاشر القديمة صورة مكبرة لمنزل الفور فهناك مداخل الرجال والنساء وترتيب الاكواخ والدواويين واماكن الاستقبال واماكن تناول الطعام فى مجموعات وقد كانت هذه سمات مشتركة بين القصر الملكى ومنازل الاثرياء على السواء.
وكانت الفاشر لب الدولة وحلبة للصراع السياسى ومحورا للادارة وميدانا لتدريب القادة العسكريين والاداريين ومركزا لاعادة توزيع البضائع والخدمات ومقر محكمة العدل النهائية وساحة الاحتفالات الوطنية والاستعراضات والمقابلات الرسمية التى تقام فى الارض الفسيحة امام مجمع القصر الذى يأتى اليه اصحاب العرائص يلتمسون العدل او الحظوة، والفقرا، والمغامرون، وتجار الرقيق، بل انه فى احدى المرات جاءت فرقة من البهلوانات.
وكان فى الفاشر “سوم” والكلمة بلغة الفور تعنى المدرسة أو مكان الاجتماع حيث كان يجرى تعليم الاطفال وكانت تشرف على المدرسة احدى زوجات السلطان وفى لغة الفور الحديثة تعنى الكلمة “مدرسة القرآن” وهى الخلوة المعروفة فى كل بقاع السودان وبالمدرسة المعنية كان الطلاب يدرسون القراءة والكتابة وعندما اعاد على دبنار احياء هذه المدرسة كان يقوم بالتدريس فيها نخبة من فقرا الفاشر وكان كل من الاحرار والرقيق يدرسون فى السوم وبعد ذلك يجندون لخدمة مجمع القصر وتتضمن السيرة الذاتية للحاج محمد محبوب البدياتى والتى لم تنشر بعد وصفا لهذه المدرسة حيث تعلم هو ( أوفاهى 181).
وبالفاشر بيت الجباية وهو دار للضرائب حيث كانت كل الدخول تاتى فعليا للعاصمة وكات سجلات جمعها وتخزينها وتوزيعها يسيطر عليها السلطان عن طريق الجباة او جامعى الضرائب وكان هناك تمييز رسمى بين الدخول والحبوب والقماش والحيوانات المخصصة لامدادات القصر من جانب وبي تلك بين المخصصة لاعاشة العسكر فى كل انحاء السلطنة من جانب آخر.
وفى كل انحاء السلطنة كانت هناك مقاطعات ملكية او اقطاعيات يخصص دخلها كلية للفاشر اكبرها كان جبل مرة نفسه الى جانب دارفونقور وتقع هذه الاقطاعيات خارج الادارة الاقليمية حيث كانت تدار بواسطة وكلاء للسلطان.
وفى عهد السلطان على دينار قضى اهل جبل مرة اكثر من نصف عام يجمعون الملح والذرة والقمح والشطة والبصل والعسل من القصر دارس الى كالوكتنق تحت اشراف رئيس الجبل الشرتاى على عبد الجليل ثم ارسل المخزون الى مجمع القصر بالفاشر وقد كان جبل مرة وجبل فونقور يزودان مائدة السلطان بالاطعمة الشهية مثل العسل والقمح وغيرها والتى لم تكن معروفة كثيرا فى اماكن اخرى ويقال ان احد السلاطين ادخل شجيرات الموز الى جبل مرة وقد امر على دينار باقتلاعها ونقلها الى الفاشر ولكن لم يحالفها النمو هناك.
كما كانت الفاشر ايضا مكانا للتحفظ على الزعماء المحتملين او المنافسين وكذلك الذين لهم مستقبل واعد وقد استطاعت عشيرة كليبا الحاكمة فى دارقلا زغاوة ان تحقق سلطة مقدرة عن طريق عبد الكريم وهو احد يتيمين أخذتهما امهما الى الفاشر وقد اخذه السلطان محمد الفضل وعندما بلغ عبد الكريم سن الرشد منح قيادة بعض الفرسان فى حملة ضد العريقات ونجح عبد الكريم فى طرد البدو من آبار كارنوى فأعطاه السلطان قيادة الاقليم.
ورغم عراقة الفاشر وقدمها الى ان اسمها ارتبط الى حد ما بالسلطان على دينار حيث يقال “فاشر ابوزكريا” ويعود ذلك الى خصوصية قصر على دينار حيث كان مسكن السلطان وهو مبنى مكون من طابقين فى الوسط ومحاط بالحريم والمخازن ومساكن الحرس والاصطبلات وما شابهها.
وعلى كل كانت الفاشر مسرحا لحياة السلطان الخاصة والعامة وميدانا للتباهى والاستهلاك بواسطة الصفوة وحاضرة مزدهرة للعامة ولها اهمية اقتصادية وتجارية كبيرة جعلتها قبلة للتجار من الاقطار البعيدة ومن هذه الاهمية نبع الدور الكبير الذى لعبته الفاشر فى تاريخ دارفور.

اغاني وتراث نوبي

الاغنية النوبية قديما وحديثا
الشاعر النوبي ابراهيم عبده
الاغنية النوبية قديما وحديثا: كنت ابحث ايام عملى بمشروع الجامبيا عن القديم فى الاغنية النوبية وكنت مغرما بجمع الأمثال النوبية والأقوال المأثورة ووجدت أن فى:
منطقة المحس:الاغنية الرئيسية فى منطقة المحس كانت (الكلكية) ومعظمها فى الفخر على جلسات الدكاى وقد اجادها الفنان وردى فى صواردن شو. أما الاغنية الراقصة الوحيدة التى أتت من منطقة المحس هما اغنيتا (بردى شين) والذى اضاف عليها الفنان مكى مؤخرا واغنية (آمنن برشوتا وو آمنا) وهى كانت خليط مابين الدنقلاوية والمحسية وقد اتت الى المنطقة مع (المراوقية)(المراكبية) وهم العاملين فى المراكب الشراعية الكبيرة (بيلكى) والتى كانت تنقل المحاصيل من السكوت والمحس الى وادى حلفا حتى عبكة (الشلال الثانى) وبالعكس. لم نسمع بعد ذلك بأغنية من منطقة المحس الا مع الفنان قطبى (ابوصارى ) باغنيتية (شادية) و(الم جقجى من كرو) ولم يزد عليهما . لقد غنى محمد عوض ونصر توفيق (بدين) ومعظم اغانيهم كانت من أغانى محمد عبدالرحمن وحسين الالا اللهم الا اغنية ( اجبيرى شافا دفو).
منطقة السكوت: اغنيتهم القديمة كانت (الكلكية) ثم ظهر بالسكوت فنانين كبار امثال دهب وسيد ادريس وعلى سليم والفنان وردى من السكوت جنوب ودهب دلوشى بمنطقة كد فوقا ودال -هؤلاء اعطو الاغنية النوبية ركيزة اساسية بمؤلفات ذات معانى قوية وجميعهم كانو يرتجلون الاغنية فى لحظتها ثم جاء حسين الالا واضاف الكثير. كانت الاغنية فى منطقة السكوت محددة بترديد (ويل ايقا ايقا) وهى قريبة لحنا الى الدهيبى واستمر ذلك لفترة زمنية كبيرة دون ان يتجرأ احد من الخروج منة الى ان اخرجهم منه الفنان محمد عبدالرحمن الذى تغنى بلونية مختلفة واطرب الجميع مثال (مسكين -من ارين سافرسين يومن اوتى وسلوى و اوين كجتولق تاتا تنجن دوتودنى ) حتى ان الفناني الكبار امثال الفنان دهب وحسين الالا بدأو يتنوعون فى الالحان بعد تجربة محمد عبدالرحمن.
منطقة بطن الحجر: كمنطقة فى الوسط وفقيرة تقل فيها الاراضى الزاعية فقد منحتهم الحكومة الانجليزية محصول القمشة ينفردون بزراعته اهالى بطن الحجر(عموديتى صرص والدويشات) دون غيرهم كمحصول نقدى واهل المنطقة وهم آباؤنا كانو يتاجرون فى بيع التبغ (القمشة) بجمالهم شمالا حتى تخوم اسوان وجنوبا حتى مشارف الشايقية. وبما ان سبل مواصلاتهم كانت الجمال ففى نظر السكداوية والمحس – فهو عرب- وزاد على ذلك وجود اهالى منطقة امبكول فى اوساطهم واللذين ينطقون العربية ويرجع اصولهم الى قبيلة البديرية فى منطقة امبكول بالشايقية. لذا فقد كان المحس والسكادوية حتى المثقفين منهم يسمونهم بالعرب ( اراب تلى جان) والحقيقة غير ذلك فهؤلاء هم اصل النوبة وبحسب موقعهم المحمى فقد آوى منطقتهم النوبيين فى فترات زمنية كثيرة وما من عائلة فى النوبيين الا ويرجع اصولهم الى بطن الحجر.
الاغنية الرئيسية التى اشتهروا بها كانت اغنية ( سبن ليلى) وقد نشروها فى كل المنطقة ولم يرى احد فى تلك الفترة( كجبارن نفيسة وصلبن عاشة روضة وسكتورن امينة وعبرين بابا ابيرة غير الجمالة.) بحكم الموقع وسفرياتهم شمالا وجنوبا فالأغانى فى ارض الحجر كانت خليطا من الشمال والجنوب من الشمال كانت هنالك (دونة) (جنى الليمونة) ومن الجنوب( الكلكية و ويل ايقا) ومن اشهر فنانيهم فروحى وديشاب وصالوبى وعبداللة تكة وشقيقى محمد عبده وحسن سالى وصالح عبداللة.
منطقة حلفا: فى الفترة ما قبل الهجرة كانت الاغنية القديمة هى (المسلى) وتلتها كثير من الاغانى مثل ( دسى براما واسمر اللونا وببقبقانا دهيبة ) وظهر فيها فنانين قديرين امثال محمد سليمان وابدع فى ملحمة ارقين وصالح ولولى دبيرة وشريف سعيد دغيم.
النوبة المصرية: هم اول من الفوا ولحنوا أغانى بالحان مختلفة حتى ان منطقة حلفا كانت تتغنى باغانيهم وفنانيهم الذين ابدعو امثال عبداللة باطا وخوجلى . اغنية ياسلام منك انا آة و الليلة ياسمرة عبارة عن الحان نوبية لحن عليهما الفنان وردى كلمات عربية.
الهجرة: هى التى فجرت الكوامن واخرجت من دواخل الفنانين ابداعات وكلمات والحان كثيرة ومختلفة وما زال الناس يتغنون بها الى الآن.
بداية كتابة الشعر: بدأت كتابة الشعر بالشعر الغنائى فى اوائل ايام الثانوى وكنت اغنى فقط الاغانى التى اؤلفها وقد بدأت باضافة كوبليهات من مؤلفاتى للأغانى السائدة فى تلك الفترة. وكنت مغرما بأغانى الطنبور وكنا نقدم هذة اللونية فى كل قرى حلفا الجديدة.
التأليف كان نادرا جدا فى تلك الفترة ومعظم المؤلفات كانت تأتى اما من الفنان دهب فى صاى أو سيد ادريس أو الفنان وردى ونفس الكلمات يرددها كل الفنانين وكنت اصر اصرارا شديدا على التأليف وعلى اضافة مؤلفاتى للأغانى ووجدت الثناء والقبول الشديدين مما شجعنى اكثر على تأليف المزيد.وتطور الأمر الى ان اصبحت اؤلف والحن واغنى وقد كنت فنان حلفا الأول فى وادى حلفا فى 1972/1973 ويذكر ذلك معظم الفنانين من جيلنا مثال الاخ مكى على ادريس واغنية (ازبتمى ادو حراما وو دنيا؟) وهى من كلماتى والحانى والتى سادت كل المنطقة فى تلك الفترة وقد تزاملنا انا وفريبى الفنان محمود احمد خيرى لفترة طويلة الى ان تركت لة الارث وهاجرت وما زال الفنان محمود يغنى وهو حاليا يغنى بعض مؤلفاتى الجديدة.
اول قصيدة نوبية كتبتها تغنى بها طالبات مدرسة صرص الأبتدائية بوادى حلفا سنة 1970 (ار ايقا نايقودن مقوسا فكتا دوقوسى- حتتركينى مع مين وتسافرين) ومناسبتها لحبيبة مسافرة.



الساقية

من مقدمة كتاب الساقية
تأليف: البروفسير محمد ابراهيم ابوسليم

الســاقيــــة (وباللغة الانجليزية Persian Wheel أي الدولاب الفارسي)

الساقية لغة هي جدول الماء أو قناته، ثم استعير اللفظ وأطلق على الآلة المعروفة لأنها تسقي، وبهذا الاسم عرفت الآلة في كل البلاد العربية التي استخدمتها، أما في البلاد التي لم تعرف الساقية فما زال لفظ الساقية يعني جدول الماء، والاسم النوبي الذي يطلق على الساقية يدل على مهمتها وهي دفع الماء من الأسافل الى الأعالي، واللفظ الأفرنجي لا يوحي بالسقي كما هو الحال في اللفظ العربي أو الضخ كما هو الحال في اللفظ النوبي (اسكلى) وانما ينصرف الى القوة التي تحرك الآلة سواء كانت ماء أو هواء فيقال آلة الهواء أو آلة الماء. وعلى ذلك يقضل العلماء الغربيون لفظ الساقية العربي على الالفاظ المقابلة لها في لغاتهم.

ومن الآلة انتقل اللفظ الى الأرض التي تزرعها الساقية تمييزا لها عن الأراضي التي تزرع بالمطر وغيرها، ثم صار اللفظ مدلولا على قطعة الأرض التي تزرع بساقية. وظل اللفظ مستخدما في العديد من نواحي السودان حتى بعد ان ابطلت السواقي ولكن بمعنى وحدة من الارض كالحواشة في وسط السودان.


رحم الله أبا العلاء المعرى . فقد فطن إلى أن العادات والمعتقدات والمعارف تفنى بفعل الزمن فيطويها النسيان كما يطوى الموت الأحياء:-

سيسأل ناس ما قريش ومكة كما قال ناس ماجديس وما طسم

أرى الموت يفنى أنفا بفنائه ويمحو فما يبقى الحديث ولا الرسم

لقد جد أهل الملعبين فأثلموا بناء ولم يبقى لرافعه وسم

وفى العالم الغاوى بخيل ممول وسمح فقير شد ما إختلف القسم

وكون الفتى فى رهطه نيل عزة على أن داء الدهر ليس له حسم

ويرزأ جسم المرء حتى إذا أوى الى النصر التربى لم يزأر الجسم

أما طسم وجديس فمن العرب العاربة. وقد أساءت جديس، وكان الملك فيها، إلى طسم وكثر جورها فيهم فأستاءت وقاتلها وظلت الحرب دائرة بينهما حتى أفنى بعضهم بعضا. أما الملعبان فهما الليل والنهار، ومايريد المعرى: أن أمر طسم وجديس كان مشهورا بين العرب وأن قصتها كانت شائعة يعرفها الكبير والصغير، فلما دار الزمان وإبتعد العهد نسى الناس ما كان مشهورا وذائعاً وأضحوا يسألون مستفسرين، وربما مستغربين أو مستنكرين، وما جديس وما طسم! وهو يبالغ في التصوير فيقول هل سيأتى يوم يجهل فيه الناس قبيلة قريش، تلك القبيلة ذات المركز الأول بين قبائل العرب فى الجاهلية وصدر الاسلام، ومكة وهى محجة المسلمين. وقد صور الإنسان فى دنياه وإصراره على البقاء والبناء ثم صور بعد ذلك كيف يأتى الموت ليحصد الأرواح وكيف يأتى الدهر فيبلي كل ما بنى الإنسان فيصير كل شى إلى فناء. وأن مذهب أبى العلاء فى ابياته هذه أن الرأي يذهب وأن المعتقد يبلى وأن المعارف تفنى مثلما يموت الإنسان ويفنى ومثلما تتساقط الدور والقصور وتصير مع الأرض تراباً. وليس ما ينجيها من ذلك لأن داء الدهر هو الأقوى مهما كانت متانة الرأى وقوة المعتقد وعمق المعرفة وإستقرارها على اليقين. لأن هذه الأمور حاجات إنسانية وغايات مرتبطة بالمجتمع وظروفه.
وما دمنا نحن نفنى فان آراءنا ومعتقداتنا ومعارفنا تفنى كذلك. وعلى ذلك فليس هنالك ما هو ثابت أو ما يجرد عن الإنسان. وهكذا يذهب الحي وما يخلق إما إلى فناء وعدم وإما ذمة التاريخ فلا يعرفه إلا الخبير بالماضى وبالتاريخ كما لايعرف طمسا وجديسا إلا من كان على علم بأخبار الأقدمين. ولقد علق قول المعري هذا بذهنى وأستهوانى منذ أن استشهد ببينة الأول صديق بمدينة الدويم لجأت اليه على خبر سواقى الدويم معقباً به على قول بأن السواقى قد زالت بعد أن كانت عزيزة موطدة المكانة وأن خبرها كاد يذهب فما أبلغ قول المعرى هذا وأصدقه وما أبلغ إستشهاد الصديق وأدقه فإن من أبنائنا من لم ير الساقية ويعرف من أمرها ما كان يعرفه مثله فى الجيل الذى قبلنا وما سبقه من أجيال. وغدا يأتى جيل لايعرف الساقبة الا اذا حفظت له فى المتاحف ولا يعرف من شأنها إلا ما دون له فى الصحائف. وأن هذا ليفضي بنا إلى ما دعنا للنظر مع أبى العلاء فى أمر دنيانا وزوال مانبنيه فيها، ذلك لأن أول ما دعنا إلى تأليف هذا الكتاب هو الحرص على الابقاء على الساقية مدونة للأجيال القادمة وأن نمنع زوالها من ذاكرة الإنسان. فالساقية كانت المعلم الأول في قرى الشمال. وكان عليها قوام الحياة وهى التى شكلت حياة الناس وصبغت بنيتهم الإجتماعية بطابع خاص. وقد بنى إنسان الساقية معارف شتى ومعتقدات حول الساقية، منها هندسة الساقية وتدابيرها الصناعية أو للتأثير على المناسيب، ومنها أساليب الري والزراعة وتربية الحيوان، ومنها معرفة أنواع الأرض والأمراض، ومنها المعتقدات التى نشأت من فرط الإلتصاق الوجدانى بالساقية والرغبة فى المحافظة عليها وعلى الحيوان، ومنها الوجدان الفنى المتمثل فى الغناء.

لقد بقيت هذه المعارف والمعتقدات حية وممارسة لإرتباطها بالساقية. فلما زالت الساقية إنتفت الحاجه وبطلت دواعيها فزالت معها ولم يعد يعرفها إلا القليلون. وهؤلاء ذاهبون بما يعرفون لا محالة. ومن هنا كان غرضنا الأول التدوين، أى تدوين المعارف والمعتقدات وكل ما يتصل بالساقية حتى تبقى معنا فكراً وإن ذهبت ممارسة وهنالك أمر آخر دفعنا إلى الكتابة، وهو أمر عاطفى فقد ذهبت ومسمى جماعة من الاصدقاء نزور صديقا فى بيته فلما بلغنا داره أخبرتنا زوجته بأنه ذهب مع جماعة آخرين إلى ساقيته ليصلح عطلا بها وقد توجهنا اليه فلما بلغنا المكان وقع نظرى على الساقية وكانت قد غابت عن عينى سنوات وأوشكت أن تغيب عن ذاكرتى ايضا. وقد أثارنى منظرها ولما إقتربنا منها دارت لأنهم كانوا قد تمكنوا من إصلاحها ودفعوها للدوران فصدر عنها الصوت العميق الذى عهدت سماعه فى صغري ولما إنسكب الماء من القادوس وتطاير بعضه على نحو ما كنت أعهد مرتطما بأطراف الدولاب وجرى بعضه الآخر فى الجدول إنتابنى شعور غريب كنت كمن يسمع صافراً عن الماضى بكل عمق الماضى وجلاله وكنت كمن وجد شيئا كان فى صباه وبما كان عليه أهله فى المجتمع الذى ذهب وخلف أيامنا هذه وقد أخذت على نفسى مدفوعا بهذا الاحساس العاطفي وأنا فى موضعي ذلك أن أؤرخ لهذه الآلة وأن أضع عنها كتاباً يكون وصلاً بينها وبين من لا يراها من أبناء الأجيال القادمة.
وكاتب هذه السطور ينتمي إلى أسرتين ثريتين فى الأرض والنخيل بحجم ثراء الملاك فى أرض النوبة الضيقة وكان جدى لأمي يمتلك ساقية مشهورة يشترك فيها مع أخيه وبعض أقربائه فضلا عن الجروف وبعض الجزر وفضلا عن ساقية اخرى فى خلاء ما أظنها دارت يوما ولجدي الأكبر من أبى ساقيتان كانتا مغمورتين وقد روى لى بعض الرواة أن أحداهما كانت ضيقة الأرض وأن هذا الجد وأبناءه قد وسعوا من أرضها بما حملوا من طين النهر. وجدي لأبي عمّر ساقيه جديدة إشترى أرضها من الدولة وقد نقل اليها طمي النيل على كتفه وكتوف أبنائه وعلى ظهور الحمير حتى إتسعت، وكان له شادوف، أى قطعة أرض صغيرة تسمى بالشادوف. وكان مشهورا بكثرة نخله. ثم أن لأبي وثلاثة من أخوته ساقية أخرى عمرت لأيام معدودة ثم عادت إلى الخراب مع أن أهلي كانوا يحترفون الزراعة ومشهورين بدأبهم وجلدهم فى العمل وحبهم للزراعة فان أبى قد عزف عن الساقية كلية وإحترف التجارة بعد أن عاد من مصر برأس مال صغير وقد أخلص لتجارته إخلاصاً بعيداً. وقيل أنه أقسم ألا يعمل أبناؤه بالسواقي لأنه متعبة بغير عائد. وقد خبر فى التجارة سعة ورحباً ومن ثم دفع بابنه الأكبر اليها وجعل له فرعاً فى قرية مجاورة ثم فصله عنه وجعله مستقلا بتجارته. أما الإبن الثانى فكان درويشاً. وكان من حظه أن يتعهد النخيل بالسقي. وقد أسس بستاناً من النخيل يشار اليه. أما الإبن الثالث وهو كاتب هذه السطور فقد إختلف دربه لأن إصابته بالربو وهو صغير ما عادت تؤهله لعمل شاق. وهكذا أرسل إلى المدرسة لعله يجد فى تراب الميرى حظاً. ومع ذلك فانه كان يساعد أباه وأخاه فى تجارتيهما كلما عاد إلى قريته فى عطلته وفى ما كان أبوه يزرع فى الجروف. وقد قدر له أن يقف بحكم صلته الحميمة مع الأهل والجيران على قدر وافر من المعارف عن الساقية وتركيبها وعن الزراعة والرى وأحوالها ومجتمع القرية وأحوالها وكان ما علمته وما وقفت عليه بحكم صلتي بالساقية ومجتمع القرية هو زادي الأول فيما كتبت ومصدري الأساسي فيما رويت عن ساقية النوبة وما يتصل بها. ولما شرعت فى وضع الكتاب كنت أظن مهمتى سهلة ولم يكن فى ظني إلا أن أصف دولابها وأجزاءها. ولكننى بعد أن تقدم البحث أدركت أن مهمتى لابد أن تمتد إلى الخلفيات التاريخية وإلى التدابير الهندسية فى مجال الري والزراعة وإلى أثر الساقية على التركيب الإجتماعى والسياسى. وهكذا تشعب الموضوع وإتسع . . وقد عدت إلى مصادر متنوعة تتصل بتاريخ العلوم وتاريخ التكنولوجيا وتاريخ الزراعة والري وموضع الساقية من كل ما ذكرت وإتصل جهدي من أجل ذلك أي مصادر شتى لمعارف الإنسان. وقد وجدت أن المصادر الأوربية والأمريكية عموماً تركز الكلام على لأرحية وسواقى الغرب الحديدية وطنبورة أرخميدس.
وقد أغفلت الموسوعة البريطانية فى طبعتها الإنجليزية والأمريكية الكلام عن الساقية والناعورة الشرقيتين بينما هى تتكلم كثيراً عن أرخميدس وعن سواقي الحديد والطواحين فى الغرب. غير أن جارلي سنجر والمشتركين معه فى تأليف كتاب تاريخ التكنولوجيا قد أعطوا فى هذا السفر الجليل معلومات طيبة عن ناعورة العرب والساقية الشرقية. والمؤلفون العرب عموماً لا يحفلون بموضوع الساقية والناعورة لأنهم لا يميلون بطبعهم إلى وصف الآلات، إلا من تخصص منهم من أمثال الجزرى وتقى الدين الدمشقى فأنهم برزوا فى الإختراع والكتابة معاً وزادوا على ما بلغهم من علوم الأولين فى مجالهم. وقد بذل الدكتور أحمد يوسف الحسن مدير جامعة حلب ومدير معهد التراث العلمى العربى بنفس الجامعة جهداً مشكوراً فى السنوات الأخيرة فى مضمار التعريف بتآليف العرب فى الهندسة عموماً والميكانيكا خصوصاً. أما المؤلفات التى تتكلم عن تاريخ العلوم عند العرب فأنها تذكر السواقي والنواعير باقتضاب شديد لكثرة ما تحفل بالعلوم النظرية . . والمؤلفون فى تاريخ مصر والسودان ل ايذكرون أمر الساقية إلا قليلا وبطريقة عارضة. ولعلهم يفعلون ذلك عندما يتقدم البحث فى التراث وتاريخ التكنولوجيا. غير أن الأستاذ تريقر أورد فى كتابه (( النوبة بوابة إفريقيا )) كلاماً طيباً عن أثر الساقية فى التعمير النوبة السفلى. والمؤلفون المصريون الذين تطرقوا إلى الساقية من أمثال البحيرى والدكتور الحته يتعرضون اليها وإلى غيرها من آلات الرفع فى معرض كلامهم عن الزراعة وأدوات الزراعة ولذلك لم يكن كلامهم تفضيلا ولا كان بوجه التخصص.
وقد إستفدت كثيراً من العون الذى قدمه الدكتور الحسن أحمد يوسف فى مراسلاته. كما أن مؤلفه عن تقى الدين الدمشقى ومقاله عن الجزرى وآلاته كانا مفيدين لى. وقد عاوننى صديقى البروفسير أوفاهى كثيراً إذ أرسل لي معلومات عن السواقى والنواعير باللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية. وإننى أشعر بأنه ماكان منظوراً لي أن أحصل على هذه المادة لو لا تفضله بها. وقد عاونتنى السيدة لدوين بأن ترجمت لي جملة من النصوص إلى اللغة الإنجليزية. ومكتبة الكونجرس بواشنطن وفرت لي بعض الأوراق عن السواقى وصورتها لى. والسيد صلاح الدين مازري أفادنى بمعلومات عن الري فى جبال النوبة. والسيد على التوم أفادنى بمعلومات عن آبار إيران المعروفة بكاريز. وعندما شرعت فى التأليف كان زميلى وصديقى السيد يحى محمد إبراهيم يؤدي دراسته العليا بالقاهرة وقد تفضل مشكوراً وأعطاني من وقته وجهده فدون لى بعض المعلومات من المخطوطات والوثائق وصور لى بعض الصحائف ونقل نصوصاً من الكتب التى كان يطالعها من أجل بحثه. وحقاً كان عونه لي عظيماً . وقد أمدنى الدكتور على عثمان بكلية الآثار والدكتور بشير إبراهيم بقسم التاريخ بمعلومات مفيدة ولفتا نظري إلى بعض المراجع. وقد إستنفرت عدداً من شباب قريتى فجمعوا لي المعلومات ووضعوا بعض الرسومات وكان أكثرهم حماساً وإنجازاً سيد أحمد عبد الرحمن بدرى. وبعض زملائي وزميلاتى بدار الوثائق المركزية أسهموا كثيراً. فمنهم من كان يستمع بصبر إلى ما كنت أرويه عن السواقي والنواعير وهو عديم الصلة بها وقليل الإحتفاء بأمرها. من عاون باستخراج ما طلبت من بيانات. وأذكر من هؤلاء السيد محمد صالح والسيدة عواطف عمر عبدالله والسيدة خديجة عثمان زروق والسيد عباس الصديق. ولا أنسى الآنسة ثريا عبدالرحمن تلك التى أخرجت بأناملها الرقيقة كل ما كتبت وما إستعدت كتابته حتى أستوفي الأمر على وجه أرضاني. والسيد يوسف عوض والأستاذتان بدرية أحمد العوض ونسيبة محمد عاونوني على تصحيح المسودات وصبروا على أداء هذه المهمة الثقيلة. كذلك أذكر صديقنا البروفسير يوسف فضل حسن الذى تابع تأليف هذا الكتاب بحرص وتشجيع، وصديقنا الدكتور حامد حريز الذى قدم لي بعض المراجع وبعض التوجيهات. والبروفسير هرمان بل أفادني بملاحظاته حول اللغة النوبية. وقد قضى ابننا محجوب محمد آدم ساعات طويلة وهو يطالع المعاجم لإستخراج الفوائد منها. وصديقنا الدكتور أسبولدنق أفادنا بقاموسه كما تكرم فأرسل الينا بعض المراجع. وصديقنا الهميم مصطفى محمد على قدم الينا مساعدات قيمة . والفنان محمد البشير محمد طاهر سعى الينا مشجعاً وعرض علينا معارفه ووضع نموذجاً لساقية الجعليين.

الاثنين، 22 فبراير 2016


د.صلاح الرشيد
من غير ميعاد مع محمد وردى

1932 م - 2012 م

قرية ( صواردا ) فى شمال السودان والمجاورة ( لجزيرة صاى مسقط رأس الشاعر والمغنى الشهير خليل فرح أو خليل العازة كما يحلو لأهل السودان أن يسموه ) هى قرية ذات طابع خاص تقع فى منطقة المحس والسكوت ومايميزها أنها قرية مدينة ومدينة قرية حيث كونها ( عمودية ) مكونة من تسعة مشايخ وبها تلك الجزيرة الساحرة التى تسمى ( واوسى ) صواردا... قرية ككل القرى فى بلادى الطيبة ... أهلها طيبون ... نسماتها عليلة ... خضرتها زاهية ... إلا أن بساطتها وكثرة طنبارتها هو ماميزها أكثر عن غيرها .

فى صبيحة يوم 19/ يوليو/1932 م وفى داخل أحد منازلها البسيطة الآمنة دوت صرخة معلنة ميلاد الطفل ( محمد عثمان حسن صالح حسن صالح وردى ) والذى عـُرف فيما بعد بالفنان الكبير/ محمد وردى .

أستميحكم عذرًا سادتى بأن أستقطع من وقتكم الغالى عدة دقائق لنسوح سويـًا داخل واحة هذا العملاق ونكلم إلبوم الصور الخاص به ونستعرض بعضـًا من ملامح مسيرته الفنية الطويلة والحافلة بكل ماهو جميل وشيق وخطير ومثير للدهشة والفضول وسأحاول جاهداً أن أجعل كلامى لايطول .

وُلـِـد وردى كأى طفل يولـد فى القرية بالطريقة التقليدية آنذاك ... وهو إبن مزارع عادى وبسيط من ناحية والده ... أما من ناحية الوالده والخـُؤولة التى تأثر بها فيما بعد كثيرا فجده أحمد بدرى شريف الذى كان عمدة البلد ويقال إنه كان عازف طنبور ماهر ومُغنى مُجيد ... ويُحكى إنه كان فى عهد التركية السابقة ذات مرة رفض أن يدفع ( الخـَرَاج ) وتم سجنه فى مدينة دنقلا فأخذ معه للسجن ( طنبوره ) وظل يرسل سلامه وتحاياه لأهله فى صواردا عن طريق الغناء وألـّف مقطوعة ( طنبورية ) شهيرة ظلت خالدة حتى يومنا هذا يتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل ... أما أخواله فكلهم كانوا مُغنين وعازفى طنابير ... ووالدته الحاجة ( بتول أحمد بدرى ) يقال إنها كانت تتميز بصوت جميل وعذب وكانت تردد أغانى ( الخليل ) بإستمرار إلى جانب الأغانى التى كان يتداولها ( الرواويس ) فى المراكب التى كانت منتشرة فى المنطقة بصورة واضحة حيث تعتبر المنطقة ورشة لصناعة المراكب الشراعية .
بلغ وردى سن السادسة وقبل دخوله المدرسة بفترة قصيرة كان يُجيد العزف على آلة ( الطنبور ) التى كانت أصلاً موجودة فى المنزل فأصبح يترنم ببعض الأغنيات النوبية التى كان يرددها الناس فى تلك الفترة وصار مجنونـاً بالغناء ومتعلقـاً به كثيرا ... حتى فى أحلك الظروف كان لايتردد فى أن يُغنى ... وصادف أن وجده عمه يُغنى بعد إسبوع من وفاة والده الذى توفى عام 1941 م وتركه فى التاسعة من عمره فـهـمَّ عمه بضربه ولكنه وجد الحماية من حبوباته ( جداته ) وخالاته اللائى كن يخشين عليه من العين والحسد وكن يضعن عليه ( البطانية ) عندما يُغنى أمام الناس .

مارس وردى حياته الطبيعية كطفل عادى كما ذكرنا وإختلط مع الجنسين وشاركهم ألعابهم بالرغم من أنه كان مدللاً بين الأسرة بأكملها وخاصة بعد وفاة والده ووالدته التى توفيت وعمره عامـاً واحـداً فـقـط إلا أن ذلك الدلال لم يمنعه من ممارسة مايدور فى خلده وهو حبه للغناء والطنبور .

درس وردى مع أطفال القرية فى مدارسها حتى صار عمره أربعة عشر عامــاً فى عام 1946 م وفى العام ذاته ذهب إلى زيارة جده المقيم بقاهرة المعز والذى كان يعمل فى سرايا الملك فاروق حينذاك وكاد أن يُغيِّـر له مجرى حياته بإدخاله الأزهر الشريف فتمرد عليه وقال له أدخلنى فى أى مكان أتعلم فيه الموسيقى فغضب جده وقام بطرده من المنزل ولو تم ذلك ودخل الأزهر لكان اليوم مأذونـاً فى إحدى مناطق المحس والسكوت أو فى قريته صواردا أو مكث هنالك مع جده ولكن مشيئة الله أبت له أن يكون كذلك ( المكتوبه مابتتفات والمقسومه ياها الجات ) فعاد لمسقط رأسه وأكمل دراسته وإلتحق بالعمل فى إحدى مدارس المنطقة ( مدرسـاً ) .

هنا بدأت المعاناة ( مُدرس مُغنى ) !!!؟؟؟

فى ذلك الزمان ياسادتى كان المدرس يسمى ( شيخ ) وهذا يعنى إنه فى القرية يعتبر القدوة للآخرين وهو إمام الجامع والمصلح الأجتماعى ويُعد من كبار الشخصيات فى البلد ( زمن الزمن كان زين والناس حنينين ) وكان يـُؤتَى به ضمن الأجاويد فى حل المشاكل المستعصية وليس مقبولاً البته أن يكون( مُغنى ) أو يكون لديه عود أو طنبور ... فى هذا الجو المشحون بالترقب لما سيحدث تمت شكوته أكثر من مرة لأدارة التعليم وعندما أتى المفتش للتحقق من صحة الشكوى سأل عن مقدرات وردى ( التدريسية ) فكانت الأجابة من أهل القرية زملاءاً وطلابـاً وأهالى بأنه يؤدى واجبه على أكمل وجه فى المدرسة فقال لهم المفتش : هذا هو المهم ... أما كونه يغنى ويرقص ليلاً هذا ليس من شأننا ... هذا القول وقع برداً وسلامـًا على وردى ( المُغنى أولاً والمدرس ثانياً ) وكان ذلك بمثابة الضوء الأخضر ليواصل مشواره الأخضر حتى إكتوبر الأخضر ... ونستطيع أن نقول بكل تأكيد بأن وردى وُلِــد مُغنيـــاً ... وفى فترة وجيزة أصبح الصبح عليه ووجد نفسه مُغنيــاً ومدرســاً معروفــاً فى كل المنطقة من دنقلا إلى حلفا التى عمل وتنقل فى العديد من مدارسها بل تعدت شهرته المنطقة حتى حدود منطقة الشايقية ... فى تلك الفترة أيضا تعلم العزف على آلة العود وأتقنه وكان يدوزن العود على أنغام المذياع دون مساعدة من أحد ... وحفظ الكثير من الأغنيات النوبية وبعض الأغنيات لكبار الفنانين فى تلك الفترة أمثال : الكاشف... حسن عطية ... أحمد المصطفى ... عثمان حسين ... عبد العزيز محمد داؤود ... وإبراهيم عوض الذى كان معجبــاً به كثيرا لأنه كان فى قمته وقتذاك حيث إنتهج منهجــاً آخر غير الذى كان مألوفــاً لدى الناس وهو الغناء الخفيف ... ساعده على ذلك إلتقائه بعبد الرحمن الريح والطاهر إبراهيم فإستطاع ثلاثتهم أن يوظفوا الأيقاعات الأفريقية ويحركوا الغناء من الجمود الكلاسيكى إلى الحركى ... مكررين تجربة الرحبانية إخوان وفيروز ( مع حفظ الفوارق ) ... من هنا إزداد تعلق وردى بأغنيات إبراهيم عوض وصار يرددها كثيرا .

فى أواخر عام 1956 م وأوائل عام 1957 م تم إبتعاث الأستاذ/ محمد عثمان وردى إلى معهد التربية ( شندى ) وعمره وقتذاك خمس وعشرون عاما و( متزوج ) وذلك للتدريب على طرق التدريس وصادف وقتها أن كان لمطربه المفضل إبراهيم عوض حفل غنائى بمدينة شندى ذاتها ... سعى وردى جاهدا لمقابلته والتحدث إليه دون جدوى فعرض على منظمى الحفل أن يوزع لهم ثمانون تذكرة بالمعهد للمعلمين مقابل أن يسمحوا له بمقابلة الفنان إبراهيم عوض الذى قال لهم : ماعايز أقابل أى حـد . وبعد طول إنتظار وبالصدفة فتح أحدهم باب الغرفة التى كان يجلس فيها إبراهيم عوض فدخل وردى دون إذن من أحد ووقف أمامه وسلم عليه كمعجب ثم قال له : ياأستاذ أنا بحبك جدا وبغنى أغانيك والناس بتقول أنا صوتى جميل فهل ممكن تساعدنى عشان أدخل الأذاعة ؟ فرد عليه إبراهيم عوض ( دى حكايه صعبه جــداً ) فتركه وخرج ... بعدها بفترة قصيرة قرر وردى أن يزور الخرطوم للترفيه فقط ... فذهب للخرطوم وهو يمتلك حصيلة كبيرة من الأغنيات النوبية الخاصة التى كان يؤلفها بنفسه حيث كان( شــاراً ) والشار بالنوبية تعنى المؤلف أو الشاعر وكلمة ( شـار ) بالرغم من قربها من كلمة ( شاعـر ) إلا أنها ليست لها علاقة بها وهنا نستطيع أن نقول بأنه أيضــاً وُلـِـد شاعرًا نوبيــاً عظيمـًا وكان سيكون ليس أقل من ( شكسبير ) على حد تعبيره ، لو قـُـدِّر له أن يُــولد فى بيئة لغتها حيه لأن الشعر يُـولد مع الأنسان بلغته الأم ولغة وردى الأم هى النوبية لذلك برع وأجاد فى الكتابة بها ... كما كانت لديه فكرة كاملة وواضحة عن الغناء فى العاصمة ومزوَّد كذلك بإبداعات أدباء المنطقة كخليل فرح - الذى تربطه به وشائج القربى – وجيلى عبد الرحمن وحمزه الملك طمبل ومحى الدين فارس الذين أنجبتهم تلك المنطقة الولودة والمعطاءة ... وكان خاله عثمان أحمد بدرى يمتلك حينها ( فنوغراف ) ساعده على الأستماع لكل الأغنيات المسجلة على إسطوانات لخليل فرح وعبد الله الماحى وكرومه فزادت من حصيلته المعرفية بالغناء .

فى الخرطوم إلتقى بعض أهله وأصدقائه الذين يعرفونه مسبقـــاً فأشاروا عليه أن يذهب إلى الأذاعة ويسجل أغانى نوبية ( رطانه ) لبرنامج ربوع السودان الشهير والذى كان يلتف الناس حول المذياع فى القرى لمتابعته وكانوا ينتظرون موعده بفارغ الصبر ... بالفعل ذهب وردى فى أحد أيام رمضان الصيفية فى نفس عام 1957 م للإذاعة القديمة ( بالهاشماب ) وهو لايدرى بأنه على موعد مع الحظ الذى إبتسم له بمجرد دخوله العاصمة ... قابل لجنة الأمتحان فى الصوت والآداء وكانت حينذاك تتكون من الأساتذة : على شمو... حلمى إبراهيم ... متولى عيد ... خانجى ... خاطر ... فطلبوا منه أن يغنى لهم وهم لايدرون بأنه لاحقــاً سوف يقول لهم ياإخوتى أنتم غنوا لنا ... غنى وردى ... وكان ذلك عند الساعة الواحدة ظهرا ... بدأ بأغنيات الرطانة ... ثم غنى لحسن عطيه والفلاتيه وإبراهيم عوض وإستمر يغنى حتى حان موعد آذان المغرب ( الأفطار ) كل ذلك وأعضاء اللجنة مندهشون ومعجبون وصامتون عن الكلام ينصتون لهذا الصوت الرائع العذب الذى خفف عنهم حرارة ذلك اليوم الرمضانى الطويل وبعد أن إنتهى من الغناء أشاروا عليه أن يبقى فى العاصمة ويمارس الغناء بها ... فطرح عليهم وردى المعوقات التى تحُول دون بقائه بالعاصمة وهى أسرته وإنه مرتبط بعمله كمدرس ولايمكن أن يتم نقله لأن نظام ( المجالس ) حينذاك كان يمنع نقل الموظف خارج حدود مجلسه – أى أن حدوده المديرية الشمالية فقط – فقال له متولى عيد : قريبك محمد نور الدين الحلفاوى وزير الحكومات المحلية يستطيع أن ينقلك هنا ونشوف ليك شاعر وملحن ... بالفعل إتصل على شمو بالشاعر الكبير (إسماعيل حسن) والملحن القدير (خليل أحمد) وتم الأتصال بالوزير (نور الدين) وأبلغوه برغبة اللجنة فى بقاء وردى بالعاصمة ... فتحمس للفكرة خاصة عندما علم بأن الشخص المَعْـنى من أبناء عمومته وسيكون إمتداداً لخليل فرح وقام الوزير بالأتصال بالأستاذ (حسن نجيله) الذى كان يعمل مديرًا للتعليم فى الخرطوم حينذاك وأمره بإتمام إجراءات نقل الأستاذ محمد وردى إلى الخرطوم فقال له نجيله : ممكن يتم النقل لكن ... لاتوجد خانة شاغرة فى أى مدرسة لأستيعابه بها ... فأمر أن تفتتح له مدرسة ... وقد كان أن تم إفتتاح مدرسة (الديوم الشرقية الأولية) وكان أول معلم بها ... من هنا بدأ وردى السودان بعد أن كان وردى الشمالية ... وكما ذكرنا آنفــأً بأن العاصمة كان بها عمالقة فى فن الغناء ومن بينهم الفنان إبراهيم عوض الملقب (بالفنان الذرى) فكان لابد لوردى أن يجد له مكانـاً وسط هؤلاء العمالقة وهذا الكم الهائل من الطرب والأبداع الفنى ولابد له أن يفكر كثيرا قبل الظهور فى الساحة الخرطومية خاصة وإنه كان قد بدأ عصر الأغنية الخفيفة مثل : الحبيب وين قالوا لى سافر للكاشف ... القربو يحنن والبُعدو يجنن لأحمد المصطفى ... حبيبى جننى وأخريات لفنان الساحة إبراهيم عوض ... وعالميــاً ظهر فنان الروك العالمى الراقص (ألفيس بريسلى) ... فكانت أول أغنية لوردى ( ياطير ياطاير ) التى قدمها له إسماعيل حسن وخليل أحمد وهما يعتبران أول من قـدَّماه للمستمع السودانى عامة ... وجدت الأغنية صدى واسع فى الأوساط السمعية وبدأت مسيرته الثلاثية مع إسماعيل وخليل فصاغوا أجمل الأغنيات السودانية على الإطلاق كانت كفيلة أن تتـوَّجه على عرش الأغنية الطربية وأصبح إسمــاً لامعــاً ذائع الصيت يشار له بالبنان فى كل السودان ... وبدأت المنافسة الشديدة مع الفنان الذرى فى الأغنيات الخفيفة التى وكما قلنا كانت طابع العصر وبدأ التلحين بنفسه – ساعده على ذلك خلفيته الثرة فى الغناء والتلحين النوبى وحبه للشعر حيث كان الفنان ( نوبيـاً ) هو الشاعر والملحن والمُغنى وأيضــاً تجربته الكبيرة فى كتابة الشعر النوبى فكانت ذات الشامة... ياناسينا ... صدفة ... غلطة وأخريات ... هذا إلى جانب الأغنيات الكبيرة أو (المُتقـَّـلات) كما يسمونها مثل أغنية... أول غرام ... بشوف فى شخصك أحلامى ... وأخريات والتى إستخدم فيها كل الآلات الوترية وآلات النفخ التى كانت منتشرة لدى الفرق الموسيقية بالقوات المسلحة السودانية ... وفى عام 1960 م قام بإدخال آلة الأورغ ولأول مرة فى أغنية ( بعد إيه ) وكان يعزف عليها أول عازف أورغ ( صلاح عثمان ) العائد من القاهرة وقتذاك .

فى أواخر عام 1962 م ( تمــرد ) وردى على مدرسة إسماعيل حسن وخليل أحمد وإختلف معهما فى ( النمطية ) فى الغناء والألحان وكان أول خروج له عن المدرسة التى قدمته للمستمع السودانى هى أغنية الشاعر الكبير ( كجراى ) ( مافى داعى ) ثم تلتها ... يقظة شعب لمرسى صالح سراج ... الأستقلال لعبد الواحد عبد الله ... ثم أتى الشاعر الكبير ( شاعر الشعب ) كما يسمى ... محجوب شريف ... ثم التجانى سعيد ... عمر الدوش ... صديق مدثر ... وآخرون ... فظهر واضحــاً التحول من النمطية للواقعية ... أما التحول الكبير والنقلة الكبيرة للموضوعية فى الغناء كان فى الأغنية الكبيرة والعظيمة عظمة شاعرها ( صلاح أحمد إبراهيم ) (الطير المهاجر) الذى لم يلتقيه حينها ... صادف أن كان وردى عائداً بالباخرة من رحلة فنية بمدينة كوستى ومعه على ميرغنى وأحمد بريس – عازفان – وفى مدينة الدويم رست الباخرة فخرج وردى لشراء مجلة هنا أمدرمان التى كانت ذائعة الصيت ويحرص على متابعتها كبار الشخصيات وأهل الصفوة والمثقفون فوجد بها قصيدة ( الطير المهاجر ) تلك ... فقام بتلحينها وصارت من أجمل الأغنيات للفنان ( الصاروخى ) كما أطلق عليه فى فترة سباقه ومنافسته مع الفنان ( الذرى ) ... بتلك الحصيلة الوافرة من الأغنيات الجميلة فى فترة الستينيات يُعد وردى أحد المساهمين الكبار فى الطفرة الغنائية التى حدثت آنذاك بجانب الكثير من الأغنيات العظيمة مثل: شجن لعثمان حسين ... حبيبة عمرى للكابلى ... حسنك أمر لإبن البادية وآخريات . وكان الفنان الكبير محمد الأمين مُغنى وملحن وعازف عود ماهر لايشق له غبار ... وأيضــاً كان هنالك ملحنون عظماء أمثال : برعى محمد دفع الله وعبد الله عربى وعلاء الدين حمزه وناجى القدسى ... وآخرون أسهموا بصورة كبيرة وواضحة فى تطوير الأغنية فى تلك المرحلة من ناحية الألحان و (السمكرة) ... سمكرة الغناء ... فى عام 1963 م أيضـاً كان هنالك تحول فى الآداء الموسيقى لوردى فى أغنية ( الحبيب العائد ) لصديق مدثر ... حيث قام بإدخال الجيتار الكهربائى فى الأوركسترا لأول مرة .

فى عام 1969 م سافر وردى لقاهرة المعز مرة أخرى ولكن ليس كالمرة الأولى الطالب المغلوب على أمره ولزيارة جده بل محمد وردى الفنان والملحن الكبير وكان يحمل معه النوتة الموسيقية لأغنية ( الــوُد ) فعرضها على الموسيقار الكبير ( أنـدريّـا رايـدر ) الذى قام بتوزيعها موسيقيــاً فيما بعد ، فسأله أندريا عن هذه النوته التى تتكون من (12) صفحة وعن ملحنها فقال له وردى: أنا الذى قمت بذلك وكانت دهشة أندريا عندما علم بأن وردى لم يدرس الموسيقى كبيرة جداً مما جعله يتصل بصديقه الملحن ( الموجى ) ليخبره بأن لديه شخص مؤلف نوته موسيقية تتكون من 12 صفحة وهو لم يدرس الموسيقى ... بعدها عاد وردى للخرطوم ليواصل مسيرته الفنية الحافلة فجاب كل أرجاء السودان مُغنيــاً وناشـراً للفرح بين الناس ... وكانت فى حياته الكثير من المنعرجات التأريخية التى لايتسع المجال لذكرها ولكن مايهمنا هنا هو إشتراكه فى المظاهرات التى نظمها النوبيون ضد الترحيل والهجرة من مناطقهم وكان فى تلك الفترة أن ظهرت أغنية ( نور العين ) فأوقفت الأذاعة بث أغنياته نسبة لخروجه فى المظاهرة وعندما أعادت بثها مرة أخرى كانت أول أغنية تـُبـث هى – نور العين – مما جعلها الأغنية المحببه له ولأهل السودان قاطبة ... إلى جانب ذلك ترْكه لمهنة التدريس حبـاً فى الغناء وترْكه للمعهد العالى للموسيقى والمسرح فى السنة الثانية لأسباب سياسية لا أود الخوض فى تفاصيلها لأن صولاته وجولاته السياسية الكُـل يعلمها وأنا لست بالسياسى المُحنك لأُبحر فى عبابها ولكن لابد لى من الأشارة إلى بعضها لأنه مرتبط بكلامى هنا ... نستطيع أن نقول إن وردى هو الذى جعل أصحاب إنقلاب 17 نوفمبر يغيرون إسم إنقلابهم من حركة إلى ثورة من خلال نشيده ( أفرح ياوطنى هلل وكبر فى يوم الحرية ) ... وبعد نجاح ثورة إكتوبر غنى ( أصبح الصبح ) ( ثوار إكتوبر ) ( إكتوبر الأخضر ) ( شعبك يابلادى ) وإستمر عرس الحرية زمنــاً إلى أن حدث ذلك الخلاف التأريخى حيث حُـل الحزب الشيوعى مما أدى إلى قيام حركة الجيش فى 25 مايو وغنى لها وردى ( فى شعاراتنا مايو ) وتلك الأنشودة الرائعة التى غناها مع الفنان الكبير والصديق ( محمد ميرغنى ) ( ياحارسنا ويافارسنا لينا زمن نفتش ليك جيتنا الليلة كايسنا ) ... ثم إختلاف اليسار الذى كان متضامنــاً معه وردى مع ثورة مايو وقيام حركة هاشم العطا التصحيحية عام 1971 م فكان نصيبه السجن والمعتقل لزمن طويل بسجن كوبر الشهير خصوصـاً وإنه كان قد تغنى لنميرى ( رحمه الله ) بأغنية ( راكب هنتر وعامل عنتر ) فربط أغلب الناس كلمات الأغنيتين مع بعض ... أما ( إنعراجاته ) الفنية... ففى عام 1958 م فى الأذاعة الجديدة فهو أول من غنى فيها ... وأول فنان يصعد ويغنى على خشبة المسرح القومى بأم درمان عند إفتتاحه ... وأول فنان يظهر فى التلفزيون الملون عند بدءه ... وفى عام 1972 م كتب الشاعر الكبير التجانى سعيد كلمات أغنية ( قت أرحل ) وكان وقتها وردى بسجن كوبر فوصل إليه النص وقام بتلحينه وتسربت الأغنية إلى الشارع وبعد خروجه من السجن قدمها إلى الجمهور فإعتبرها الكثيرون إنها أغنية وطنية ذات طابع سياسى فسببت له الكثير من المضايقات الأمنية من رجال أمن السلطة المايوية ... وفى عام 1976 م غنى ( سواة العاصفة ) لأبى قطاطى وصادف ذلك هبوط الجنيه السودانى فثار الكثيرون وشنوا عليه هجومـاً كاسحـاً على غنائه لتلك الكلمات التى صنفوها ( هابطة ) كهبوط الجنيه بالرغم من بساطتها وقوتها والبعض سيـّسها وربطها بهبوط الجنيه .

من الأشياء الجميله التى تؤكد بأن الكلمة سلاح لايستهان به ويمكن أن تـَغـْـنى عن السلاح النارى حدث أن كانت هنالك إستعدادت فى جنوب السودان لتنظيم مظاهرات ضد تعريب المناهج وإستعدت قوات الأمن لمواجهة الموقف وصادف أن كان قبلها بيوم الفنان وردى متواجد بمدينة جوبا لأحياء حفل غنائى وشهد الحفل جمع غفير من الناس الذين أتوا من كل حدب وصوب فغنى لهم وردى ورقصوا على أنغام موسيقاه حتى الساعات الأولى من الفجر وفى الصباح رحب الجميع بالتعريب ليتعلموا العربية لكى يفهموا غناء وردى ولم تقم المظاهرات ... فياسبحان الله .

ومن الأشياء الجميلة وإستناداً على ( ذكـِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )
الفنان وردى جمعته الصدفه مرة بالفنان إبراهيم عوض فى حفل غنائى بسينما الخرطوم جنوب وكان يرتدى نفس البدله التى كان يرتديها الفنان إبراهيم عوض الذى كان يقلده الشباب فى كل شىء حتى فى تسريحة شعره ( تسريحة إبراهيم عوض ) وكان وردى يجلس بجواره فأتى شاب وسلم عليهم ثم قال لوردى : يا أستاذ وردى أنا معجب بك وصوتى كويس وعايزك تساعدنى فى الوصول للإذاعة . فقال له وردى بصوت مسموع : ( دى حكاية صعبة جداً ) فنظر إليه إبراهيم عوض وقال له : إيه ده إيه ده فقال له وردى : حبيت أذكرك بما قلته لى من قبل فى مدينة شندى .

وردى الآخر ... غنى محمد وردى بإيقاع الدليب كما هو معروف ... غنى بسيماتك لعلى عبد القيوم ... الطيف لمحمد سعيد دفع الله ... مملوك غرورك لعبد الله محمد خير ... زى البانه مياله لعبد الله كنه ... خاض تجربة المديح النبوى نسبة لأعجابه بأولاد حاج الماحى فأنشد مادحــاً المصطفى (ص) برائعة محمد المكى إبراهيم ( حفاة الرأس والأقدام ) .

من هواياته المفضلة ... القراءة وخاصة الشعر ... السباحة ... متابع للرياضة وخاصة كرة القدم ... وهلالابى .

عائلته ... تزوج من المرحومة علوية محمود رشيدى وله عبد الوهاب ومظفر وحسن وعبد الحليم وجوليا وصباح .

كليمات فى حق وردى ... يعتبر وردى من ( أساطين ) المتحدثين باللغة النوبية ، والمُـلمين بشوارد مفرداتها ودقيق مأثوراتها وحِكمها وأمثالها. وقد تميز برهافة الحس ودقة التعبير عن مشاعره وحينما كانت النظرة التقليدية للمغنى فى شتى أنحاء السودان تتسم بالدونية كنتاج لجدلية تحريم الغناء كأثر عقائدى والطبقية الموروثة من المجتمع الأسترقاقى الذى ترك مسألة ممارسة الغناء للرقيق والإماء مثل ( الموالى والجوارى ) فى المجتمع الأموى والعباسى وظهرت مسميات عدة للمُغنين منها على سبيل المثال ( الصعاليك ) وفى بلاد النوبة مسقط رأسه كانوا يطلقون إسم ( عويل ، زول هومبيـّـا ) على المُغنى الذى يحترف الغناء ، وفى أحايين كثيرة كانت العائلات تتبرأ من المُغنى الذى يقضى عمره ( جـوّاب آفـاق ) فى المنافى البعيدة ، ويقال فى سِـير المُغنين أنهم كانوا منبوذين بحيث لاتـُقبل منهم الشهادة فى المحاكم ، وعلى أرضية هذه الحرب المعلنة ضد المُغنى المبدع ، كان إحتراف الغناء ضربـاً من الجنون والمغامرة ، لايتصدى لها إلا المؤمنون بقضية الفن للفن أولاً وبالفن وسيلة لتحقيق الغايات النبيلة ثانيـاً ، ولهذا وبهذا الكيف والكم إنبرى الفنان العملاق محمد وردى ووضع نفسه أنموذجــاً حيــاً لمحترف الغناء الشجاع حين وقف وأعلن عن نفسه مُغنيـاً فى تلك الظروف ( وهو المدرس القدوة ) فغنى للوطن والجمال والحرية والقيم الفاضلة ورسم بجهده وعرقه مدرسة للغناء السودانى الأصيل .

إلتقيته عدة مرات آخرها كان قبل سنوات طِـوال فى مدينة الرياض بصحبة الشاعر الكبير المرحوم عبد الله محمد خير الذى قرأ عليه نص قصيدة كانت فى ذلك الزمن وهى التى تغنى بها الفنان الكبير صديق أحمد – والذى تربطه به صداقة حميمة ( مشتهيك أنا يابلد ) ... ثم حدثنا كثيراً عن كل شىء ... وإفـتـرقـنـا ...

ملاحظة للترفيه فقط ... فى زمن التلفزيون كان أبيض x أسود وكانت الموضة البنطلون الشارلستون والقميص المربعات الكبيرة ومحذّق من النص والجزمة أم كعبـاً عالى والشعر الكتير ( الخنفس ) سجل الفنان وردى أغنيته الجميله ( جميله ومستحيله ) وكان عندنا تلفزيون جديد طوالى كنا مصـاقـرنـُّو وجات الغنوة دى وعندما وصل لقوله يامراسى الشوق تعالى ... إنتبهت لكلمة تعالى دى وترديدها الكتير فأصريت أن أنتظرها المرة القادمة وأعدها بالفعل عددتها ووجدتها ( 47 مرة ) بس كلمة تعالى ولست أدرى هل جاتـو أم لا ... بالله إذا لـقـيـتـوها عِـدُّوهـا ، كنا فاضين ورايقين بقى ...


رحمه الله رحمة واسعة وأدخله الجنة مع الصديقين والشهداء ... السبت 18 فبراير 2012 م