الثلاثاء، 19 يوليو 2016

مدينة سوبا (شرق النيل الأزرق)
مدينة سوبا شرق (Soba Sharq) من أعرق المدن في شرق النيل ويرجع تاريخها الموغل في القدم الي مملكة علوة حيث انها العاصمة لتلك المملكة المسيحية التي هي آخر الممالك المسيحية في السودان الشمالي وتوجد بها العديد من الآثار الدالة علي تلك الحقبة.
ورد ذكر مملكة علوة وعاصمتاها سوبا في كثير من كتب المؤرخين امثال المقريزى والمسعودي حسب ماورد في كتاب تاريخ السودان لنعوم شقير.
يعتبر سقوط سوبا في عام 1504 ميلادية علي يد تحالف العرب بقيادة عبد الله جماع والفونج بقيادة عمارة دنقس نقطة فاصلة في تاريخ السودان الحديث، انسحب العنج بعد هزيمتهم إلي قري شمال الخرطوم وكان بها حصن والذي لفظت فيه دولة علوة المسيحية وعاصمتها سوبا آخر انفاسها وسقطت قري وقد قال فيها شاعر العبدلاب الشيخ عثمان محمد اونسة:
طابـت يميـنك يوم قري نزالا    ***    والحـــرب تحــكي لجة النيران
حفـت بك الأبناء آساد الشري   ***    بيض العمائم صاحبي التيجان
الخراب الذي تم في سوبا علي يد قوات عبد الله جماع وعمارة دنقس كان كبيرا لدرجة انه أصبح مضرب للأمثال كان يقال مثل خراب سوبا أو (عجوبة الخربت سوبا).
تقع مدينة سوبا شرق علي الضفة الشرقية للنيل الازرق ويمر بها طريق الخرطوم ود مدني الجديد شرق النيل والذي يمر بعد سوبا شرق بالقرب من العيلفون وبالقرب من أم ضوابان ثم العسيلات وبعض قري شرق النيل ثم الهلالية والجنيد ثم إلي كبري الحصاحيصا الجديد ومنها إلي ود مدني، وتبعد مدينة سوبا شرق مسافة 22 كيلومتر من الخرطوم و14 كيلومتر من كبري المنشية، وتحيط بسوبا شرق بعض القري مثل السمرة والمرابيع الشريف وام عشوش وإن البعض يذكر أنها من أحياء المدينة، وبها اربعة احياء كبيره هي السلمة والقنيعاب والتويراب والشقيلة وام عشوش والسمرة والمرابيع هي ايضا تعتبر من احياء سوبا شرق.
معظم سكان سوبا الأصليين من المغاربه الذين سكنوا شرق النيل من حلفاية الملوك بالخرطوم بحري إمتدادا إلي الهلالية بالجزيرة.
سوبا شرق بها قسم شرطة ومدرستين ثانويتين للبنين والبنات وعدد من المدارس الخاصة ومدارس الأساس وبها سوق كبير بالمنطقة يعد من أهم المعالم الجديده ويسمي سوق الطرمبه نسبة لمحطة الوقود التي كانت أول تأسيسها في هذا السوق ويكسب هذا السوق أهميته لأنه يقع علي الطريق المذكور أعلاه.
الموقع: تقع مدينة سوبا شرق على الضفة الشرقية للنيل الأزرق في اتجاه مصبه على مساحة تقدر بـ10 كلم مربع، وموضعها عند خط عرض 25، 14 شمالاً وخط طول 25، 32 شرقاً على ارتفاع 1245 قدماً فوق سطح البحر، تحدها شمالاً مدينة أمدوم على شاطئ النيل الازرق التي تبعد عن سوبا (عاصمة الدولة السودانية سابقاً) بنحو 6 كلم، وجنوباً تحدها مدينة العيلفون على شاطئ النيل الأزرق وقرية الحديبة وشرقاً قرية السمرة والتي يرجع جذورها إلى قبيلة المغاربة وفي الجنوب الشرقي مدينة أم ضواً بان والٌكرنوس وغرباً للنيل الأزرق في محاذاة النيل مدينة سوبا غرب. وتبعد سوبا شرق عن وسط الخرطوم بنحو 18كلم ويستغرق المشوار على طريق الأسفلت أقل من 20 دقيقة تقريباً.
السكان والنسيج القبلي في سوبا شرق يقدر عدد سكان سوبا شرق بحوالي 19 ألف نسمة ويتشكل النسيج القبلي فيها من قبائل المغاربة (أحفاد أحمد زروق المغربي) الذي هاجر من المغرب الى السودان لنشر الدين الإسلامي، واشتهر أولاد طراف بسوبا شرق والجريف، وهم ينتسبون إلى الشيخ سرحان بن الشيخ صباحي بن طراف المسلمي، صاحب القبة بسوبا شرق وجنوب الخرطوم ولأبنائه قبب بجواره. ومنهم جماعة بود الفضل جوار تمبول.
يتميز أهلها بالطيبة والكرم وحسن الضيافة والآن تداخلت عليها قبائل مثل الجعليين وقليل جداً من الشايقية والمحس والكواهلة والعسيلات وغيرها من القبائل العربية التي تصاهرت عبر مئات السنين، وبظروف ديموغرافية يندر أن تجد مثلها في جميع المناطق والمدن السودانية الأخرى فأنتجت واقعاً اجتماعياً وقبلياً جديداً يمكن أن نطلق عليه (قبيلة االمغاربة سوبا شرق)، ويعمل غالب السكان في الزراعة والتجارة وترتبط أنشطتهم الاقتصادية ارتباطاً وثيقاً بعاصمة البلاد (الخرطوم) حيث يقدر عدد موظفيها العاملين في دواوين الدولة المختلفة والعمل الخاص داخل العاصمة الحديثة الخرطوم.
تاريخ سوبا تقع المدينة الأثرية بسوبا شرق.. في الضفة الشرقية للنيل على بعد مسافة 15 كيلو متراً جنوبي الخرطوم، حيث كانت عاصمة لمملكة علوة المسيحية 504 – 540، وتوجد بها مجموعة من الكنائس التي بنيت على طراز (البازيلكا)، ومنازل سكنية مسقوفة بأشجار الدوم، وبها مقابر تشبه مقابر العهد المسيحي المكتشفة في جميع أنحاء السودان.
ورد ذكرها لأول مرة فيما كتبه يوحنا الافسوسي، كما أشار اليها عدد من الكتاب العرب، وهي تشكل أهم ملامح العهد المسيحي في السودان، حيث اعتنق النوبيون المسيحية في القرن السادس الميلادي وبدأ عصر تقدم سياسي وحضاري في السودان، وكان أثر امتزاج الحضارة المحلية والعناصر الثقافية الجديدة التي جاءت من مناطق البحر المتوسط، وقامت حركة فكرية وفنية، وكان عصر ازدهار فني وقوة سياسية وتاريخ مهم، وتجدر الاشارة الي أن مملكة مروي قامت على أنقاضها ثلاث ممالك نوبية، ففي الشمال كانت مملكة النوباط ما بين الشلال الأول والشلال الثالث وعاصمتها فرس بالقرب من حلفا، وتليها جنوباً مملكة المقرة وتنتهي حدودها الجنوبية عند مكان عرف عند الكتاب العرب الأبواب يظن أنه بالقرب من كبوشية وكانت عاصمتها دنقلا العجوز، ثم تأتي مملكة علوة عاصمتها سوبا بالقرب من الخرطوم، واتحدت مملكتا النوباط والمقرة في حوالي عام 700م، وقد امتدت حتى اقليم الجزيرة حالياً وان كانت حدود هذه الممالك الثلاث غير محددة.
وعرفت الديانة المسيحية في بلاد النوبة قبل أن تعتنقها بزمن طويل، وعندما جاءت البعثات التبشيرية إلى هذه البلاد حوالي عام 453م، وأحرزت نجاحاً سريعاً حتى صارت المسيحية الدين الرسمي للسودان الشمالي في عام 580م. من المشاهد المادية للحضارة النوبية المسيحية الكنائس والمساكن والمدافن والرسوم الحائطية التي تزين جدران الكنائس، التي عبرها الرحالة روبيني ديفيد في العام 1523م، وصفها بأنها كانت مبانٍ عظيمة وتمتع بمعالم تاريخية مميزة، ووجد أن الخراب قد أصابها من قبل، ووجد الناس يسكنون في أكواخ من الخشب كما أكدت ذلك الحفريات التي أجريت في سوبا 1950 – 1952م على أنها مدينة ذات مبانٍ عظيمة من الطوب وتتمتع بحضارة عريقة، وقد مكنت المقتنيات الموجودة معرفة مباني وحضارة القرن التاسع الميلادي والخامس عشر، ولكن المدونات خلاف الكتابات البسيطة الموجودة على قطع الفخار، لم تكن بالقدر الكافي، وذكرت باسم الوديا في الكتابات المسيحية في العصور الوسطى، وذكرت باسم علوة في الكتابات العربية مثل كتابات ابن سليم الاسواني الذي ذكرها باسم سوبا، وذكرها في العصور الوسطى اليعقوبي في أواخر القرن التاسع الميلادي وكذلك المغريزي، وأهم ما وصل من الاخبار في الكتب ما كتبه ابن سليم الاسواني عن مدينة سوبا وهو من كتاب القرن العاشر الميلادي، وقد وصف ابن سليم سوبا عاصمة علوة بأنها كانت فيها حسان ودور واسعة وكنائسها كثيرة الذهب وبساتين مخضرة يزرع بها الكروم والعنب، وفيها الخيل البيضاء، وهذا الوصف أساساً استندت عليه جميع الأخبار التي جاءت فيما بعد وهي تصف سوبا أيام ازدهارها، كما لا توجد بها أي أخبار عن سقوطها الذي يقترن مع مجئ الفونج في القرن السادس عشر وسقطت نتيجة تحالف عمارة دنقس ملك الفونج وعبدالله جماع عام 1504م.
بدايات التنقيب: مدينة سوبا شرق اعتبرها البعض من المناطق الأكثر ثراء من حيث الارث الأثري، بدأ التنقيب فيها بواسطة مدير الآثار آنذاك بيتر شيني، في الخمسينيات وأصدر نتائج التقنيات في كتاب صدر باللغة الانجليزية في العام 1955م الطبعة الأولى، وكانت الثانية في 1961م والذي تم طبعه بواسطة مصلحة الآثار السودانية وقتها، ويحتوي الكتاب على ملحق به خارطة توضح موقع المدينة الآثارية، وذلك بغرض منع التغولات عليها والتعريف بحدود المدينة الآثارية، والمعني بالأمر في المقام الأول مصلحة الآثار والخارطة الملحقة بالكتاب أصدرتها مصلحة المساحة السودانية في العام 1955م موضحة بها حدود الموقع الأثري. ويقول باحث في مجال الآثار أن أي مبنى دخل في المدينة فيما بعد داخل الحدود المحددة يعتبر غير قانوني ويجب ازالته ويدخل في حدود ملكية الآثار ويحمى بقانون الآثار الذي ذكر موقع سوبا شرق والذي يعني في نهاية الأمر الحدود المحددة، لا تملك أية جهة مهما كانت منح أي أرض داخل هذه المساحة، علماً بأن هذا الموقع مسجل لدى اليونسكو وهو يعتبر تراثاً انسانياً يجب المحافظة عليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق