الثلاثاء، 31 مارس 2015

منتدى الخليل الثقافى 
30 أغسطس 2009
أمسيـة خـاصـة عن 
تـاريخ الأغنيـة الســــودانيـة
مع البـاحـث الأستـاذ / شـاذلـى الفنـوب

ذكر الأستاذ/ شاذلى الفنوب فى بداية المحاضرة صعوبة تحديد الفترة الزمنية لتاريخ الغناء فى السودان وبأن الأسبقية كانت للمديح أم للغناء ، إلا أنه أكد بأن الأسبقية كانت للغناء ... وبأنه ليس هنالك تاريخ موثق للأغنية السودانية ، وبأن أغانى الطنابرة تعتبر البداية الفعلية لتاريخ الأغنية السودانية وهى كانت سابقة لأغنية الحقيبة ... 
ومن أشهر فنانى الطنابرة ( ود الفكي ) والذى جاء من كبوشية لامدرمان في عام 1900م  بعد انهيار الدولة المهدية غاب ثم عاد 1915م والتقي بعدد من الشعراء الذين كانوا بالعاصمة ومنهم يوسف حسب الله (سلطان العاشقين ) وابراهيم العبادي وابو صلاح وخليل فرح ومحمد عثمان بدري 
يكون الاعتماد في اغانى الطنابرة علي اصوات الجماعة الذين يخرجون تلك النغمة من افواههم مع وضع اليد علي الفم بدلاً للآلآت الموسيقية وهو مايعرف بـ( الكرير ) ومن نمازج غناء الطمبارة (يا جميل أقرب أكشف الشلاَّخ خلّني أطرب بي هواك هضرب ومن جفاك ألذَّ قرصة العقرب) 
كان فى عام 1919 زواج ( بشير الشيخ) وهو من الأعيان ، ولقد حضر إليه الفنــــــــــانون والشعراء ، لم يظهر الطنباره بظهور مشرف وابوا ان يغنوا فظهر الحاج ( محمد أحمد سرور ) والذي إكتشفه ( إبراهيم العبادى ) فانقذ الموقف وغني من كلمات العبادي  أغنية (ببكي وبنوح وبصيح للشوفتن بتريح ) ولحنها سرور وتغنى بها فى نفس الليلة ، وبذلك يكون العبادي هو منشئ اغنية الحقيبة وبدأ لصوت ( سرور ) بصمة لدى الطنابرة ودخل مع الحقيبة كل من الرق والمثلث والطبلة كالات مصاحبة بدلاً من الكرير بالاضافة لتقوية دور الكورس الذي احدثه الحاج محمد احمد سرور وانهمر نهر الابداعي الاروع بالسودان حقيبة الفن او العمود الفقري للغناء السوداني ...
للحقيبة أربعة أعمدة رئيسة وهم : ( أبوصلاح ) ( محمد ود الرضى ) (العبادى إبراهيم ) ( خليل فرح ) وكان ( خليل فرح ) يعتبر شاعر المثقفيين ... ولقد شكل ( العبادى ) و( سرور ) ثنائى حيث واصل العبادى مسيرته مع سرور ... ومع إنتشار غناء الحقيبة ظهر (كرومة ) ( الأمين برهان ) ( إبراهيم عبدالجليل ) (وعبد الله الماحي) وغيرهم ولقد تميز ( أبوصلاح ) بالصورة والتصغير فى شعر الحقيبة ، هنالك أغنية إسمها وجه القمر سافر يقول فيها (اعلم لولما طرفك للبيض الرقاق شاهر انسان عيني كاد يقرغ في ماء خدك الزاهر ) وله وكرومه ثائية قاتلة افرزت العديد من الروائع المدهشة تلى الرباعى ( المساح ) و ( الأمى ) ( سيد عبدالعزيز ) ( محمد بشير عتيق ) وأول ماكتب عتيــــــــــــق ( جسمى المنحول ) لكرومة وكان ذلك فى سنة 1931 بكسلا ، وكتب ( سيد عبدالعزيز ) أغنية فى بنانك وأنة المجروح تلك الساحرة ، وبهذه الأغنية بيت يقول فيها سيد عبدالعزيز( عنده الغزالة تقف فى موقف المفضـوح )
وذكر الأستاذ / الشاذلى الفنوب بأنه سأل الفنان ( بادى محمد الطيب ) عن المقصود بالغزالة فى ذلــــــك البيت ، فطلب منه ( بادى ) الرجوع للآدب العربى القديم ، فوجدها عند الشاعر الجاهلى ( إمرؤ القيس ) مستخدمة وتعنى الشمس ...
أما الشاعر ( عمر البنا ) فقد بدأ كتابة الشعر متأخراً لانه كان يعرف قبله كفنان ، وكتب زهرة الروض الظليل وزيدني في هجراني ونعيم الدنيا وغيرها ويعتبر ( عبدالرحمن الريح ) هو اخر شعراء الحقيبة وكان مختلفاً عمن سبقوه ، وقدم فى سنة 1938 أغنية ( مارأيت فى الكون ) من الحانه وهو يعتبر اول لحن يغنيه كرومه لغيره وجاني طيفو طايف والكثير الكثير من حديقته الرقراقة 
أما الجيل الذى عاش مابين الحقيبة والحداثة ، لقد أخذ كل أغانى الحقيبة و أضافوا لهـا واضافت لهم . 
ويعتبـــر أول من أدخل الأوركسترا للأغنية السودانية هم الفنان ( إبراهيم الكاشف ) فهنالك خضر بشير وعبد الدافع عثمان وحسن عطية والعديد من المبدعين من ذلك الجيل .
كانت مقهى ( جورج مشرقى ) ملتقى الفنانيين وكان هنالك ملعب تنس مابين المقهى والبوستة يرتادها عشاق لعبة التنس ومن بينهم أعضاء نادى الخريجين واولاد عشيري ومعاوية محمد نور ذلك الاديب السوداني الذي يعتبر مؤسس مدرسة النقد الحديثة بمصر والوطن العربي ، وفى سنة 1950 كان يجلس بتلك القهوة ولفيف من الشعراء والفنانيين ، وقام ( جورج مشرقى ) بسؤال ( الكاشف ) إنتوا لمن بتغنوا فى الإذاعة بدوكم كم ؟ إجـاب الكاشف ( 50قرش ) فقال له جورج مشرقى : طيب ماتغنوا فى الحفلات أحسن ... ويعتبر (جورج مشرقى هو صاحب فكرة أن يكون للآدباء والشعراء والفنانيين بحق الملكية الفكرية )، لأنه أول من إهتم بها وشجعهم عليها حفاظاً على حقوقهم ، ولقد صنعت فكرته تلك ضجةً كبيرة فى ذلك الزمان ، وصارت من المشاكل التى تواجه ( متولى عيد ) خاصة بعد أن أصبح الفنانون غير راغبيين فى التسجيل للإذاعة .
قام ( متولى عيد ) بإرسال شخص إلى الشاعر محمد بشير عتيق واخر للشاعر عبد الرحمن الريح يطلب منهم أن يأتوا له بفنانيين جدد وأغانى جديدة ، حيث أصبح جميع الفنانيين فى إضراب والذى قاده الفنان ( إبراهيم الكاشف ) بتحريض من ( جورج مشرقى ) فجاء الاضراب بالخير والفائدة للاغنية السودانية لانه انتج فناني الاضراب او التواني امثال تجاني مختار وصلاح محمد عيسي وصالح الضي ورمضان حسن ورمضان زايد حدائق فواحة اطربت الجميع إلا أن الفنانيين لم يلبوا رغبة الكاشف كثيراً ويصمدوا بإضرابهم وعادوا إلى التسجيل للإذاعة ، ولكن تمخض الإضراب عن زيادة قيمة التسجيل للفنان بالإذاعة ...
فى الخمسينيات ظهرت أصوات قوية أمثال (ابرهيم عوض ) وثنائيته الرائعة مع عبد الرحمن الريح فكانت هيجتني الذكري وعلمتني الحب ثم ( محمد وردى) الذى لايعرف عنه الكثير من الناس بأنه شاعر قدير وهو الذى كتب أغنية (اول غرام ) وهى كانت عن قصة غرام حقيقية عاشها ، ولقد قام هو بتلحينها وأدائها ، وعندما تقدم بها لإجازتها  لـ ( متولى عيد ) فوجد متولى عيد بأنها من تأليفه وألحانه وأدائه ، فقال له ( متولى عيد ) طيب ماتجى تقعد فى مكانى فرفض أن يجيزها له ، وعليه خرج ( وردى ) الى خارج المكتب فوجد ( على ميرغنى ) العازف المعتق فطلب منه وردى أن يكتب القصيدة بإسمه فشطب وردى إسمه فوافق وكتب إسم على ميرغنى كشاعر لاول غرام ... وبظهور وردى ظهر شكل جديد للأغنية السودانية ولقد تمت إجـأزة صوته من أول مقابلة ... ويقال عن أول تسجيل حضر وردى للقيام به كان ( الليلة ياسمرة ) ورفيقاتها الاول بأنه قام بعمل لم يقم به أحد من قبله ، وهو طرده لعازف الإذاعة المخضرم ( على مرغنى ) من بين المجموعة التى سجلت معه العمل وذلك لأن الموسيقار على ميرغنى لم يقم بعمل البروفة على العمل الذى سيتم تسجيله ، وكان ذلك بمثابة درس قدمه وردى للموسيقار على مرغنى بأنه لاكبير على الفن ، ويعتبر وردى أول من أدخل الشعر الحر فى الأغنية السودانية ، مثل ( السمبلاية ) و ( جميلة ومستحيلة ) وقبلهن الكثير مما كان نقلة حقيقية للأغنية السـودانية .
كما تعتبر فترة الستينيات هى فترة إنتاج أجمل الأغنيات مثل ( لوبهمسة 1959 ) وأغنية ( أنت السماء بدت لنا ) للفنان ( سيد خليفة ) ( سال من شعرها  الذهب ) للفنان ( صلاح بن البادية ) كلمات ( أبوآمنة حامد ) وأغنية ( الـود ) للفنان وردى والتى قدمت بالقاهرة للموسيقار ( أندريــا رايدر) فقال بأنها لاتحتاج إلى توزيع ... وعندما بدأ يعمل على توزيعها كان وردى يتابع معه ويعدل عليه فى الكثير من المواضع إلى أن تم توزيعها كما أحب وردى أن توزع وعليه تم توزيعها بـآفاق ورؤى سودانية مائة بالمائة ووفق الاذن السودانية ... ولقد قام بغنائها بمصاحبـة الفرقة التابعة لكوكب الشرق والتى كانت تعرف بـ (الفـرقـة المـاسـية) 
وتعتبر فترة الستينيات هى أجمل فترة للأغنية السودانية حيث بها أيضاً لمع نجم ( زيدان إبراهيــــم ) و ( صـلاح بن البادية ) الذي متلك ملكة تطريب يرتعش لها الحجر الاصم والعديد من الاصوات التي اضافت للاغنية وما يجعل كذلك هو صعوبة تحديد فنان معين من بين فنانى ذلك الزمان حيث كان كل نفر منهم مدرسة ذات لونية متكاملة قائمة بذاتها.
من الأشياء الجميلة التى وقعت أحداثها بالتسعينات هو إجراء مسابقة لأجمل أغنية فى العالم ولقد قام بـها الأسبان وأثناء تقديم الحضور بترشيحاتهم لأجمل أغنية كان من بينهم سـودانى يحمل شريط للفنان وردى وبه أغنية ( الود ) وقدم الشريط للجنة المسابقة وكانت الدهشة للاجانب بفوز أغنية الود بأجمل أغنيـة فى العالم وكان ذلك فى عام 1997 من القرن الماضى ... 
وكذلك عندما حضر الفنان ( عبدالكريم الكابلى ) فى الستينيات للقاهرة ، ولقد كان الكابلى من رواد صـــــالون (العقـــاد) وكان يحمل معه عمله الجديد 
( شذى زهرى ) ولقد قام بتحلينها فى خلال فترة وجيزة مما جعـــــــل العقاد يدهش لتلك الملكة فى قوة وسرعة التحليين ، حيث أنها تعتبر فترة زمنية قصيرة جداً لتلحين عمل مثل شذى زهرى ...
وللأسف الشديد تعتبر فترة مابعد الستينيات هى بداية إنهيار الأدب و الفن والسياسة والاقتصاد فى السـودان بل العالم كله، وهى حلقات متصلة وليس هنالك تطور يمكن أن يحدث ببلاد إلا من خلالهما ... ولـقد أحـدث حرب 1967 إنهياراً فى الكثير من المفاهيم ، فمثلاً فى مجال الفن ظهر بالسودان أناس لاعلاقة لهــم بـه وكذلك بمصـر ، وفى ظهور أشباه الفنانيين والشعراء والأدباء ، وفى اواخر التسعينيات والالفية الجديدة ظهور غنى الهيافة من أمثال ( العربية ) ( الجلابية ) 
( سنتر الخرطوم ) وغيرها من الركاكة والإنحطاط 
وحقاً حزنت لما آل إليه الفن وحال فنانى السودان عندما حضرت إحدى الحفلات لدار الأوبرا والتى كانت بمثابة حفل تمثيل للدول وكان ممثل السودان الفنان ( طه سليمان ) والذى كانت مشاركته بالغناء الذى هـو من لونية أغانى البنات  حقيقةً نحن فى ورطة كبيرة مع أشباه الفنانيين والشعراء والملحنيين الذين الحقوا الضرر بالفن السودانى من أمثال شخص ركب الحانه من قوالب الحان العطبراوى وإدعى بأنه ملحن الله يرحم الكبار ويخليلينا ود الحاوي ووردي المعاو 
وقبل أن أختم يجب أن لا ننسى دور المرأة فى الفن السودانى من أمثال أم الحسن الشايقية التى تعتبر أول من سجلت أسطوانات بالعشرينات من القرن المنصرم ورابحة وفاطمة خميس وعائشة الفلاتية و حوا الطقطاقة ومنى الخير الي سميرة دنيا واسرار اللواتي يمسكن بجمرة الفن الاصيل .
          ليس كل ماسبق هو تاريخ الاغنية السودانية بل هي عبارة عن سياحة صغيرة في عوالم الجمال السوداني والاغنية الافضل علي امتداد الوطن العربي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق